لا يوجد من ينكر اليوم بأن عالمنا يشهد جملةً من التحدّيات المتتالية أبرزها الثورة التكنولوجية، وما تمخّض عن الثورة الصناعية الرابعة، ثم الأمن الغذائي، والتغيّر المناخي وما لحقه من تغيرات بيئية، ومشكلة الفقر، ثم الجوائح والأمراض السارية، فالتضخم السكاني، ونقص المياه، انتقالاً للتحدّيات الثقافية والتي سبّبت في خلق فجوات فكرية وخاصة لدى فئة الشباب وعلى رأسها العوالم الافتراضية والاغتراب والغزو الثقافي وغيرها الكثير من المشكلات، حيث شكلّت صدماتٍ حقيقية من الصعب تحملّها، أو التعاييش معها، أو حتى البحث عن حلولِ مجدية وفورية لها، لأن الحل يستلزم بدايةً أنّ لا نرضخ لثقافات جامدة أكل الدهر وشرب عليها، وأنّ لا نتعامل معها على أنّها منهجيات منزلة من السماء طابعها التقديس، والتبعية اللآمتناهية والفرضيات التي وقفت عائقاً في وجه الإبداع والمبدعين لفتراتٍ طويلة.
هل الذات العربية قاصرةً كما يدّعي بعض الجاهلين؟! هل هي عاجزة عن التطور واللحاق بفلك التقدم العلميّ؟! أم أنها قادرةً على المواكبة والصمود؟! في الواقع وبعيداً عن التنظير وقريباً من التطبيق، لقد آن الآوان أنّ نطلق العنان لعقولنا العربية الواعية بالبحث عن إطار منهجي جديد قوامه الفكر المتجدد الذي لا يقبل التعميم أوالتصورات والأحكام المسبقة، لمجرد أنّها صادرة فقط من الغرب وعن مختصين وخبراء وصانعي قرار.
ما نحتاجه اليوم هو... فكرُ مؤسسي متفتح بوجود قيادات رشيدة تؤمن بأنّ قدرات العقل غير مؤطرة بحدود زمانية أو مكانية والتي تأخذ بعين الاعتبار الاستفادة في الوقت ذاته من أفضل الممارسات واستراتيجيات التفكير الجديدة التي تناسب واقعنا ومواردنا وإمكانياتنا البشرية في الوطن العربي، قيادات تفتح الباب على مصراعية أمام جميع الأفراد ليكونوا جزءاً لا يتجزأ من منظمومة الفكر الجديدة.
إذن.. ولأجل هذا كله وضمن رحلة البقاء في الحياة، لا بدّ لنا أيضاً من التخطيط الجيد كأفراد ومؤسسات والذي يضمن تنمية جميع القطاعات والمؤسسات عن طريق الالتزام بالحوكمة المرنة الداعمةً لسير الرحلة الآمنة والمطوِرة على الدوام لرأس المال البشري في كافة المؤسسات والمنشآت ابتداء من الأسرة الواعية لمشكلات أفرادها والباحثة عن فكر جديد يضمن حلولاً منطقية للتغلب عليها، ثم الفكر المدرسي الطامح لتحقيق رؤية تعليمةِ تعلّميةِ تؤمن باستدامة التعليم للأجيال القادمة وإنّ التعلم للجميع من خلال المضي لتحقيق خطى الإبداع والابتكار، ولا ننسى دور الجامعات والذي يلعب دور المحفز الرئيس للأفكار المبتكرة، والمشاريع الخلّاقة من خلال القدرة العلمية والبحثية لها وكذلك منشآتنا الدينية أينما وجدت والتي من المفترض أنّ تكفل التجديد وفتح باب الحوار مع الآخر، والتأكيد على أنّ العلم والدين لا تعارض بينهما، توجهاً الى منشاتنا في كافة القطاعات الاقتصادية والتي عليها أنّ ترفع معدّلات النمّو الاقتصادية عن طريق تشجيع الاستثمار وتنشيطه تارةً، وإنشاء المشاريع الاقتصادية الكفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي تارةً أخرى بعيداً عن السكون الاقتصادي واستراتيجيات البحث نحو إصلاح العجز المالي المستمر، وانتهاء بوصول تفكيرنا خارج الصندوق نحو حلولٍ لمشكلات تدني مستوى الانتماء والوطنية ومعوقات الديمقراطية لنتمكن من فهمِ حقيقي للمسؤولية المجتمعية والعمل التطوعي والتمثيل السياسي الحقيقي، والتأكيد على الهوية القومية العربية والتي من شانها النهوض بأمتنا.