أتابع (التيك توك) و(تويتر) و(فيس بوك)... حتى أفهم اهتمامات الناس, وبالتحديد جيل الشباب... ومؤخراً بدأت بمتابعة صبية تحصد عشرات الألوف من المتابعات واللايكات, على وسائل التواصل الاجتماعي.. حقيقة لا أعرف اسمها ولكني كلما فتحت جهاز الهاتف ظهرت لي في (التيك توك)..
هي صبية أردنية تعمل في إذاعة محلية, وتجلس على هندسة البث, ويطلقون عليها لقب (دي جي).. كل ما تفعله أنها تحرك الشفاه عند وضع أغنية, وترقص وهي جالسة.. فقط لا غير, وأنا مثل بقية من يتابعون إصداراتها أعلق لها واكتب: أبدعت.. واحياناً: (ما شاء الله تبارك الرحمن).. وأمس أرسلت تعليقاً يقول: (ارحمينا)... حقيقة لا أعرف مصدر إبداعها هي لا تتحدث فقط ترقص وتحرك الشفاه مع كل أغنية.. وتطاردها الآلاف المؤلفة من الجماهير الغفيرة.
في ذات الوقت أتابع صبية جميلة جداً من فلسطين, هي طبيبة دماغ وأعصاب مهمة كما عرفت اسمها (دلال أبو امنة)... وهي أيضاً تغني وترقص أحياناً, ولكنها لا تغني لعمرو ذياب ولا حمو بيكا ولا راغب علامة.. ولا طوني حدشيتي, هي تعيد غناء التراث الفلسطيني وتطوف في كل القرى المحتلة والبلدات والمحافظات, وتصطحب معها النساء وتجعلهن يقمن بارتداء الأزياء الفلسطينية, بمعنى آخر مشروعها هو الهوية... بنتنا التي تبث من الإذاعة, كما علمت هي مهندسة هكذا يكتبون لها في التعليقات, كنت اتمنى أن اسمعها تغني أغنية أردنية, ولكن للأسف ما تقدمه وتحفظه وتحرك شفتيها لأجله أغاني: تامر حسني, وحماقي, وشيرين, وآخر أغنية لا أعرف لمن ولكن صاحبها كانو يقول فيها إنه اشترى سيارة (بي أم دبليو)..
للعلم دلال أبو امنة من مواليد (1983) بمعنى أنها شابة, والفيديوهات التي تسجلها تطوف العالم العربي, والغريب أنها أعادت إحياء تراث (الشلعيات) الفلسطيني الذي يتجاوز عمر (200) عام.. والأهم, أنها وظفت مهنة الطب وموهبة الغناء.. وحتى القميص الذي ترتديه لأجل فلسطين ولأجل الهوية ولأجل قضيتها العادلة.
الوعي في بلادنا أصبح سلعة ثمينة ونادرة, وباسم الشباب ونظرية (هيك بدو الجيل الحالي) سنصل لمرحلة يصبح فيها الجهل هو القاعدة والوعي يصبح شذوذاً اجتماعياً, والغريب أن القوانين الناظمة لعمل الإعلام, وللنشر وتراخيص الإذاعات... كلها صارت تساعد على الإنغماس في الفراغ, والتعاطي مع أشياء بلامضمون أو قيمة...
قبل يومين شاهدت نجمتنا على صفحات «الفيس بوك", وقد استضافتها شركة مهمة من القطاع الخاص, وتم توقيع عقد بينها وبين الشركة لأجل الترويج الإعلامي..
أعرف أني أكتب عن فلسطين كثيراً, وأنا أفعل ذلك لأني أشعر بأن الوعي هناك ينبت مثل شجر الزيتون, ولأن الجيل الجديد هناك يؤسس أنماطاً وطرقاً للنضال, ولأن النساء هناك إما أن تكون مثل شيرين أبو عاقلة أو دلال أبو امنة, إما طريق الشهادة وإما النضال لأجل الهوية.. ونحن هنا ما زلنا في تحالفاتنا مع تامر حسني, وميشو, وبيكا... والأهم من كل ذلك... أننا نصرخ ونفرح لانعدام المضامين.
الأوطان مثل كأس الماء... تستلذ به وترتوي حين يكون صافياً خالياً من الشوائب, لا تكدروا كأسي... ويكفي ما في الفم من مرارة.