في البداية لا بد أن نُعرف مفهوم القانون الدولي الإنساني بأنه: «القانون الذي يطبق أثناء الحروب والمنازعات الدولية", وينقسم الى فئتين الفئة الأولى: التي تختص بالقواعد القانونية التي يجب على الجيوش تطبيقها أثناء القتال مثل:عدم إستخدام الأسلحة المحرمة دوليا،التعامل مع الجرحى،الأسرى.أما النوع الثاني من القوانين, فيتعلق بكيفية التعامل مع الفئات والمناطق غير المشاركة في الحرب,التي تتمتع بالحماية الدولية مثل: المدنيين، الأطفال، النساء، طواقم الإسعاف،الصحفيين, المناطق المدنية بمختلف مسمياتها, ويطلق عليها مسمى (أعيان) كالأحياء السكنية, المراكز الدينية والثقافية والأثرية, وغيرها من الأعيان التي لا يتسع المقام للحديث عنها.
وفي هذا السياق هناك قاعدة جوهرية في القانون الدولي الإنساني, تعتبر أن كل من ليس بمقاتل او مشارك في الحرب, يتمتع بالحماية القانونية, وأن الإعتداء عليه دون أي مسوغ قانوني, يرتقي لجرائم الحرب. أما فيما يتعلق بالصحفيين, فلقد ميز القانون بين نوعين منهم: المراسل الصحفي الحربي المكلف من قبل الجيش, فلا يجوز الإعتداء عليه, ويعامل معاملة الأسيرعند إلقاء القبض عليه. اما المراسل الصحفي المدني، فيتمتع بالحماية الكاملة كمدني, فلا يجوز قتله او الإعتداء عليه أو أسره المادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول (اتفاقية جنيف) لعام 1977. فإذا ما تم قتله, اعتبر ذلك من جرائم الحرب.
وفي هذا السياق, فإن قرار مجلس الأمن الدولي بإدانة مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة, والمطالبة بإجراء تحقيق شفاف وعادل, ومحاسبة مرتكبيها, ليس موجهاً للمحكمة الجنائية الدولية, وإنما (لإسرائيل), باعتبارها الدولة صاحبة العلاقة, وبالتالي فإن تقديم شكوى من أي من الأطراف للمحكمة الجنائية الدولية, سوف تتعامل معه المحكمة بنفس السياق, بمطالبة إسرائيل بإجراء تحقيق عادل وشفاف..
وفي هذا السياق ولتسليط الضوء اكثر فإن تحريك دعوى جرائم الحرب أمام المحكمة الجنائية الدولية, يتم بثلاثة طرق, إما عن طريق مجلس الأمن, أو من الدول المتضررة أو دولة عضوا في المحكمة, أو من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية بناء على شكوى بهذا الخصوص, المادة (1) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية, في حين أن المادة (17) أعطت الأولوية في التحقيق والمقاضاة, للقضاء الداخلي للدولة, وهو ما يجعله صاحب الولاية بالتحقيق والمحاكمة,ما لم تكن رافضة رغم ثبوت الفعل أو غير قادرة على ذلك. فيصبح اختصاص المحكمة الجنائية اختاص أصيل وغير مقيد فيتولى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تحريك الدعوى, وهو ما سوف تتجنبه إسرائيل باجراءها لتحقيق نتائجه أن أدلة الإثبات على إرتكاب جيش الإحتلال للقتل- رغم صحتها وقناعاتنا جميعاً- غير جازمة, وتعتبرها مبنية على افتراضات.
في النهاية نقول أن إسرائيل الغير موقعة على ميثاق روما الأساسي لعام 1998, المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية, لن تجرم جنودها باي حال من الاحوال, لأن ذلك يشوه صورتها أمام العالم, ويجعل جنودها عرضة للملاحقة الجنائية الدولية.وفي جميع الاحوال فلقد اثبتت التجارب السابقة إن الموقف الدولي في مثل هذه القضايا يتأثر بالمصالح والتوازنات الدولية، ونفوذ وحجم الدولة المتهمة، وكذلك في موقف الراي العام الدولي فجميعها تلعب دورا هاما في تحديد مصير مثل هذه القضايا.