يمكن للتطور التكنولوجي أن يجعل حياتنا اليومية أسرع وأفضل وأكثر سهولة، كما أن نتاجات الثورة الصناعية الرابعة قد تسهم بشكل كبير في حماية الجنس البشري من الكوارث والأزمات من خلال التنبؤ بها قبل حدوثها لإنقاذ المزيد من الأرواح، والتعجيل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لكن الإنجازات الرقميّة تلك قد تسهم في تهديد الخصوصية وتقليص المساواة والاعتداء على أمن المعلومات أو البيانات الخاصة بالفرد وصولا إلى الدول والحكومات.
أدركت الكثير من الحكومات المخاطر المحدقة لقطاع تكنولوجيا المعلومات والفضاء الرقمي الذي صار متأصلًا في كل مناحي الحياة، فاتخذت إجراءات وسنّت أطراً قانونية في هذا المجال لتعزيز بيئة رقمية آمنة وموثوقة إضافة إلى بناء قدرات وطنية لضمان مواجهة التهديدات وحوادث أمن المعلومات والهجمات السيبرانية.
يعد بناء استراتيجية سيبرانية وطنية بهدف حماية الفضاء السيبراني للدول ورفع مستوى الأمان المعلوماتي فيها، أولوية مُلحَّة بالنسبة لصناع القرار في سياساتهم الدفاعية خاصة في ظل تزايد تقديم الخدمات الإلكترونية وانتشار استخدام التقنية الرقمية بشكل واسع.
كما تعمل كبرى الشركات في العالم على حماية مصالحها الاقتصادية وأعمالها ونشاطاتها بما يتوافق ويتماشى مع التطور التقني والمعلوماتي ومتطلباته القانونية من أسس ومعايير وسياسات من شأنها مواجهة المخاطر السيبرانية وفقا للتعليمات والإرشادات والأنظمة القانونية التي فرضتها الدولة التابعة لها.
لا يمكننا أن ننكر أن قطاع الاختصاص في الأمن السيبراني لا يزال غير واضح الملامح، إلا أن الكثير من الدول ومن بينها الأردن تعمل على تطوير أساليب جديدة لاجتذاب وتثقيف الأفراد الموهوبين والاحتفاظ بهم، إضافة إلى استحداث تخصصات جامعية تُعنى بالأمن السيبراني أو علم البيانات أو أمن المعلومات.
كما نظم المشرع الاردني قانون الأمن السيبراني في الأردن في عام ٢٠١٩م وأتت الإرادة الملكية السامية بالموافقة عليه في شهر ايلول من نفس العام، كما وافق مجلس النواب على إنشاء مجلس ومركز للأمن السيبراني، بهدف حماية المملكة من تهديدات وحوادث الأمن السيبراني.
في الحقيقة لا يمكن أن تصبح الدولة آمنة في الفضاء السيبراني دون بناء كوادر وطنية تُعنى بالحفاظ على الأمن السيبراني وتنظيم إدارة فعالة لمخاطر الأمن السببراني، إضافة إلى تعزيز القدرات الوطنية في الدفاع ضد التهديدات السيبرانية والتعاون والشراكات لأجل ذلك.
إن الدول التي لا تسعى إلى حماية أمن معلوماتها من خلال بناء استراتيجية سيبرانية قد تهدم ثقة مواطنيها والمقيمين والمستثمرين في الفضاء السيبراني لهذه الدولة، إضافة إلى تقليل المخاطر السيبرانية من خلال خفض عدد الهجمات والسيطرة على آثارها، وأخيراً لا يمكن أن ينمو الاقتصاد الوطني في ظل وجود إمكانية خسائر محتملة من حوادث سيبرانية.
لكن الكثير من العقبات قد تواجه تلك الدول خاصة في ظل التطور التكنولوجي وتزايد التهديدات السيبرانية المواكبة له، بما في ذلك تهديدات نشطاء القرصنة الإلكترونية، ومجموعات الجرائم الإلكترونية المنظمة التي تمثل تهديدا على الأمن القومي.
