لطالما يمثل الأمن المائي حجر زاوية في منظومة الأمن القومي لأي دولة، خصوصاً تلك التي تعاني فقراً شديداً في مصادر المياه، فلا تنفك الجهات ذات العلاقة بهذا الملف الشائك عن البحث لاجتراح الحلول لتجاوز هذا التحدي.
لا نذيع سرا أنه وللأسف يعد الأردن من الدول الأشد فقراً في المياه على مستوى العالم ومصادره المائية فقيرة وتعرضت في فترات للاعتداء من قبل بعض الأطراف، ما جعل الأمن المائي في مرمى القلق والخطر.
تعددت الأسباب التي كانت وراء هذا الفقر المائي ولا ترتبط فقط بشح المصادر المائية، فاضطراد عدد السكان بشكل كبير جراء موجات لجوء كبيرة شهدتها المملكة، فاقت قدراتنا المائية وتسببت بأزمة مائية كبيرة.
وعلى ذات الصعيد هنالك ممارسات غريبة عن مجتمعاتنا وقيمنا وعاداتنا ارتبطت بالاعتداء على مصادر المياه، وأخرى مرتبطة بالإسراف، فضلا عن قِدم واهتراء خطوط المياه، ما تسبب في هدر كميات كبيرة من المياه.
في المحصلة نعاني من وضع مائي صعب ومعقد خصوصاً في الآونة الاخيرة وجفاف بعض السدود، ما ينبىء بأزمة مائية في ظل الانحباس المطري الذي تعيشه المملكة، وتأثر القطاع الزراعي الذي كان يعتمد بشكل كبير على ري مزروعاته من السدود كمصادر رئيسية.
المطلوب اليوم تكاتف الجهود وتضافرها للبحث عن حلول خلاقة قادرة على مواجهة هذا التحدي الكبير، عبر تنفيذ المشاريع المائية الاستراتيجية على غرار الناقل الوطني الذي في حال تم إنجازه سيكون طوق النجاة من هذا الحال المائي الصعب.
وعلى الصعيد ذاته، لا بد من إجراءات وحلول مرتبطة بتعزيز مفهوم الحصاد المائي والتوسع في إنشاء السدود والعمل على تغليظ العقوبات على كل المعتدين على مصادر المياه وتعزيز مبدأ الرقابة الشديدة على مصادر المياه وخطوط النقل الرئيسة وضرورة مراقبة الاعتداء على مصادر المياه الجوفية.
نقر جميعاً بوجود الأزمة وارتداداتها السلبية على جميع القطاعات في ظل ندرة المصادر المائية، يتوازى مع ذلك عدم إيجاد حلول تتمثل بخطط علاجية تسهم في تجاوز هذا التحدي الذي يشكل هاجساً يؤرق الجميع منذ عقود.
مكمن الخلل أن نبقى مكتوفي الأيدي ونشاهد هذا الحال وهو يتفاقم دون أي تحرك جدي وفعلي من الجهات ذات العلاقة بقطاع المياه، وبالتشارك بين جميع الأطراف وصولاً لخطط استراتيجية قصيرة وطويلة الأمد تكون فاعلة وناجعة في إطار تجاوز التحدي المائي ومآلاته على الجميع.
المطلوب البدء وعلى الفور بالتخطيط السليم لإنجاز مشاريع مائية استراتيجية، ضمن جداول زمنية لتنفيذها، تكون الأساس المتين لتجاوز هذه المحنة، وتكون حلولا وقائية وعلاجية لأي أزمة مائية قد تواجهنا في المستقبل.
الأمن المائي مصلحة استراتيجية عليا يجب أن تكون غاية وهدفا أسمى لتحقيقه وإنجازه ليصبح واقعاً ملموساً عبر استنفار الأدوات والإمكانات المتاحة كافة، بالعمل الجاد والدؤوب القائم على الاستمراية وعدم إغفاله نهائياً.