أبدع الشاعر اللبناني سعيد عقل في وصفه للأردن بقصيدة «أردن أرض العزم»، التي لحنها الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب, وغنتها المطربة الكبيرة فيروز, في البيت الذي يقول فيه: «فُرضت على الدنيا البطولة مشتهى... وعليك ديناً لا يخان ومذهبا».
نعم، فرضت الأقدار علينا أن نكون حالة خاصة من البطولة والنضال. فنحن قبل وبعد نشأة الدولة الأردنية منذ مئة عام، نعيش في ظل حالة من التحديات الخارجية، التي فرضت علينا بسبب موقعنا الجغرافي، بجوارنا للكيان الصهيوني من جهة، ومن جهة أخرى جوارنا لدولٍ عربية شقيقة، كانت، وما تزال، تعيش شبه حال من عدم الاستقرار، والتقلبات السياسية بين الحين والآخر، وكانت أيضا سببا في مؤامرات ودسائس واغتيالات، شهدتها الساحة الأردنية.
وكذلك لا ننسى الحروب العالمية، وحروبنا مع الكيان الصهيوني عامي 1948 و1967، وحروب الخليج الثلاث، فهذه الحالة المستمرة من عدم الاستقرار «الجيوسياسي» انعكس بلا شك علينا اقتصاديا وسياسيا..
فعاش الأردن طوال تلك الفترة حالة من المد والجزر في تطوير منظومته السياسية، بين الانفتاح تارة والانغلاق تارة أخرى، رغم نضوج تجربتنا السياسية في كثير من الأحيان، وهذا شيء طبيعي لواقع عربي مأزوم، يؤثر بمحيطه، ولكننا كنا دائما نتجاوز تلك الأزمات بدليل تجاوزنا ما يسمى «الربيع العربي» دون أية ارتدادات أو فوضى، كما حصل في كثير من البلدان الأخرى.
هناك رغبة ملكية دائمة في الانتقال نحو مرحلة جديدة في الحياة السياسية، فكانت سابقا الأوراق النقاشية الملكية للإصلاح السياسي لجلالة الملك 2016، وحديثا تكليف دولة سمير الرفاعي بتشكيل لجنة الإصلاح، وفي هذا الإطار حرص دولة الرفاعي في اختياره لأسماء أعضاء اللجنة، على التركيز على التنوع في الطيف والانتماء السياسي للأعضاء، على قاعدة القبول بالرأي والرأي الآخر، للوصول إلى توافق على مجموعة من التوصيات التي تم الإعلان عنها قبل فترة قصيرة.
يقول الفيلسوف الفرنسي فولتير: «قد أختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك». فعلى الرغم من اختلافي في الرأي حول المخرجات التي وصلت إليها اللجنة، فيما يتعلق بتعديلات قانون الانتخاب، فكان بالإمكان أفضل مما كان، ولكنني مقتنع أيضا أن ما أنجز خطوة وطنية جيدة إلى الأمام، نستطيع البناء عليها في المستقبل القريب، ويمكن اعتبار هذه التعديلات، بمثابة اختبار لتعديلات قانونية لاحقة، تسهم في مزيد من المشاركة الديمقراطية.
وربما كان دولة سمير الرفاعي، رئيس اللجنة، قصد ذلك عندما صرح، أكثر من مرة، أن الوصول إلى حكومات نيابية يحتاج إلى سنوات طويلة، بمعنى أن الاندفاع نحو تعديلات واسعة، وبخاصة بقانون الإنتخاب في الوقت الحالي، ربما قد تكون نتائجه سلبية، والأخذ بمبدأ التدرج بالتغيير أو التعديل.
وفي النهاية أقول: قد نختلف أو نتفق في الرؤية، ولكن لا بد أن نشكر اللجنة، فقد اجتهدت فيما تراه مناسبا، وإننا في جميع الأحوال نسير على الطريق الصحيح، والكرة أصبحت الآن في ملعب أعضاء مجلس النواب، الذين يجب عليهم أيضا أن يعلموا أنهم أصبحوا تحت المجهر، والكل يترقب ما ستفرزه مناقشاتهم من تعديلات، حول ما توصلت إليه اللجنة من توصيات؛ وعندها لكل حادث حديث.
مستشار وأستاذ القانون الدولي العام