رأينا
حضور جلالة الملك عبدالله الثاني مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة وكلمته التي ألقاها أمام القادة كانا ذا دلالة كبيرة ومؤشرين إلى رؤية جلالته للمنطقة في المرحلة القادمة، هذه الرؤية التي تقوم على تقوية أركان الدول العربية في المنطقة لكي تستعيد المنطقة توازنها بعد فترة ليست بالقليلة من حالة الانفجارات والتوترات التي منعتها من حدوث التنمية المنشودة فيها.
فاستعادة العراق إلى الحضن العربي أمر بغاية الأهمية للتصور الملكي لكيفية استعادة المنطقة العربية لدورها في محيطها الشرق أوسطي وتحويلها من ساحة لتنافس القوى الإقليمية عليها إلى قوة حقيقية وصاحبة مشروع نهضوي تنموي يجعلها لاعباً إقليمياً لا يمكن تجاوزه أو تجاوز مصالحه الحيوية.
فالعراق في العقل السياسي الأردني هو البوابة الشرقية للوطن العربي، وهو ما أكده جلالة الملك حين قال في كلمته من قلب بغداد إن: «أمن واستقرار العراق هو من أمننا واستقرارنا جميعا وازدهاره من ازدهارنا»، وهو ما يعني أن الأردن يقف بقوة صدق لاستعادة العراق لأمنه واستقراره، وهو مدرك لمنظومة المصاعب والتحديات التي يواجهها العراق اليوم.
محاولة خلق توافق إقليمي، حول أهمية استعادة العراق، يضم دول الخليج العربي، هو تأكيد أن منظومة إقليمية جديدة بدأت تتشكل، مدركة لتغير الظروف والزمن، وهو ما يتطلب تحركاً نوعياً، والعمل سريعاً وفق تصور واضح، وربما مدد زمنية محددة.
التسارع في التحركات السياسية والاقتصادية تجاه العراق تمت بعد وضوح جزئي في الرؤية فيما يتعلق بتحالف الشام الجديد، هذا التحالف الذي أعاد الحياة إلى قلب الشرق الأوسط، واستعادة الأردن لدوره المحوري، القادر على أن يكون (دينمو) المنطقة.
والأكثر أهمية هو استعادة الأردن لدوره المحوري في المنطقة وقدرته في ذات الوقت على تقديم أجندته القائمة تاريخياً على توطيد علاقات توافقية والابتعاد عن الصدامات الإقليمية غير المبررة، فالسياسة الخارجية الأردنية تقوم على أساس إيجاد التقاطعات الكافية بين الأطراف المتعددة، ولا تسعى أو تدعم حالات النزاع والتوتر.
فكان الأردن قادراً على إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية بعد استعادته لدوره الفعال والحيوي في المنطقة، واستطاع جلالة الملك عبدالله الثاني التمتع بلياقة سياسية عالية والتحرك المكوكي بين دول الإقليم والدول ذات الثقل العالمي التي تملك تأثيرها المباشر في المنطقة.
وبعد قمة بغداد، يظهر سؤال ملح سياسياً واقتصادياً وهو (ماذا بعد؟)
يبدو أن عمان تستعيد دورها التاريخي، وستستضيف المؤتمر في قمته الثانية، وهو ما يؤهل إلى مأسسة هذا المؤتمر، وهذا يعني إمكانية تطويره ليتحول إلى مؤتمر إقليمي سنوي ذي ثقل سياسي واقتصادي، وبنائه كمؤسسة موازية للمؤسسات القائمة اليوم والتي فقدت ثقلها الحقيقي مع استبقاء ظلها التنظيمي.
لقد استطاع الأردن أن يعيد الحيوية الإيجابية للمنطقة، ويفتح مساحات أمل واقعية لسكان هذه المنطقة، والعمل على تحويل التصريحات والاجتماعات إلى إنجازات تلمسها الشعوب على الأرض، وصارت رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني للمنطقة مزدهرة تشرق من جديد وقابلة للتحقق.
ما يحدث اليوم في المنطقة يؤكد أن الدول تقاس بأدوارها وقدرتها على التأثير وليس بحجمها، فالحجم السياسي هو الثقل الحقيقي للدولة، ومدى امتلاكها لرؤية واضحة وقابلة للتطبيق، مدعوم بمنظومة أخلاقية سياسية، وهو ما يملكه الأردن دائماً برؤية هاشمية حكيمة صقلتها السنون وصاغتها كنظرية متكاملة في منظومة العلاقات الدولية والإقليمية.