إن مجرد طرح فكرة تطوير امتحان الثانوية العامة هو أمر يحسب لوزارة التربية ووزيرها الذي أكد خلال طرحه لمسوغات هذه العملية أن الحاجة باتت ملحة لإجراء عملية المراجعة والتطوير هذه، خصوصاً أن فكرة تطوير الامتحان تنطلق من الرؤية الملكية السامية لتطوير التعليم، وإيمان الوزارة بضرورة مواكبة عمليات التطوير الشاملة التي تسعى لها في مختلف المجالات، إضافة إلى التغذية الراجعة من جميع مكونات العملية التربوية ومن المجتمع، التي تحرص الوزارة على رصدها باستمرار لترشيد قراراتها، والتي كانت صبّت كلها باتجاه ضرورة تطوير هذا الامتحان.
اللجنة، التي تألفت من قامات وطاقات وطنية مستنيرة وراشدة تتمتع بخبرات وقدرات ودراية ومهارات متنوعة في مجال التعليم بمختلف مستوياته، يعوّل المجتمع عليها الكثير وعلى أقل تقدير أن تكون خطتها التطويرية ومخرجاتها على قدر عزم وخبرات ومؤهلات أعضائها وتتوافق في الوقت نفسه مع تطلعات الناس وأحلامهم بالوصول إلى نظام ثانوية عامة يواكب متطلبات العصر ويخرج الأهالي من حالة الرعب والطوارئ التي تعيشها كل أسرة أردنية يدخل أحد أبنائها في ماراثون الثانوية العامة سواء فيما يتعلق بالتحضير للامتحانات أو دخول معركتها التي لم تعد تقتصر على الطالب وإنما تمتد الى الأسرة، وأحايين كثيرة إلى الأقارب والجيران وانتهاءً بلحظات الترقب العصيبة لعمليات التصحيح وإعلان النتائج التي لا يوازي رعب انتظارها في بعض السنوات أي شيء ولا حتى الحصول على نتائج البكالوريوس أو الماجستر او حتى الدكتوراه.
ناهيك عن الاشاعات التي تصاحب أجواء الامتحانات بما يعكسه ذلك من سيادة الشك وعدم الثقة والتصريحات والاتهامات المتبادلة بين الأهالي والوزارة، فضلاً عما تتركه الإجراءات التعليميّة والأمنيّة الصارمة المصاحبة للامتحان من رهبة وتوتر وضغوطات نفسية على الطلبة وأولياء أمورهم، إلى الاتهامات المتبادلة التي تطلقها جميع الأطراف سواء أهالي أو وزارة او حتى خبراء في مجال التعليم والتي تتعلق في كثير من الأحيان بصعوبة الاسئلة أو الاشاعات المتعلقة بتسريبها أو تلك المرتبطة بضيق الوقت وعدم اتساقه مع طبيعة الاسئلة، وغيرها.
ولن نغفل تنوع أشكال وأدوات الاشتباك التي تستخدم فيها كل تقنيات الهجوم والدفاع وبتوظيف مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المتاحة بما يتركه كل ذلك من تأثيرات سلبية على العملية التعليمية وعلى مزاج المجتمع والرأي العام المرتبط بالتعليم.
وانطلاقاً من ان الأنظمة التربوية الأكثر فعالية وتأثيراً وتقدماً هي تلك التي تتسم بالمرونة والحيوية والقدرة على التطور والتكيّف بحسب متطلبات العصر، يصبح من المهم أن يكون على سلم أولويات وزارة التربية في هذه المرحلة مراجعة سياساتها التربوية والتعليمية باستمرار، وعليه فقد آن الأوان لأن تقوم جميع الأطراف والشركاء في العملية التعليمية والقطاعات الداعمة كالإعلام بالتعاون وتضافر الجهود والعمل الجماعي التشاركي بحثاً عن أنجع الطرق والمنهجيات التي يمكن أن تقود إلى تطوير الخطط والبرامج التعليمية والتربوية تلبية للاحتياجات المتجددة للمجتمع؛ إضافة الى زيادة قدرة النظام التعليمي على مواكبة المستجدات والمنافسة عالمياً.
نأمل أن تتمكن اللجنة من أن تطوي وبلا رجعة شكل وطبيعة نظام التوجيهي الحالي، وان تنجح -بعد ضروة قيامها بالاطلاع على التجارب العالمية للامم التي سبقتنا والاستفادة من خبراتها التراكمية في تطوير أنظمة تعليمها- في نقل ما يصلح منها وتوظيفه في العملية التعليمية في وطننا الحبيب، بشكل يضمن ادخال تطوير على منظومة التوجيهي برمتها وإجراء مداخلات جراحية عميقة في الشكل والمضمون ما يسهم في تحسين وتجويد أسس اجتياز مرحلة الثانوية العامة وفق أساليب علمية ومعايير قياس تحقق العدالة للجميع كما هو الحال لدى كثير من الامم والشعوب، وربما يكون في توزيع التقييم على سنوات كما في بعض الأنظمة الدولية إضافة إلى إجراء عملية ربط حقيقي واقعي، كفؤ ومحكم لا مجال فيه للتلاعب أو التحايل أو الالتفاف بين مرحلة الثانوية ونوعية وطبيعة وآليات القبول في الجامعات بعض مداخلها.
[email protected]
