هل مطلوب من جرش أن تنتج (الكعكة الصفراء)، أو تنتج صواعق التفجيرات النووية؟ على الأقل (اللبنة المدحبرة) كست عائلات وأطعمت أخرى، على الأقل تتم دحبرتها بكف سيدة تفيق في الفجر للصلاة, وتطعم الأولاد.. وترفع كفها لله.
صدقوني أن السيدة التي (تدحبر اللبنة).. لا تعرف الفنادق الفاخرة, ولا جلسات التمكين النسوي, ولا تعرف إنشاء منظمة ممولة, ولا تجيد اتهام الوطن بأنه متأخر في المجال النسوي.. هي تعرف الرضا.. وفي جرش يشرق الرضا على الناس مثل أشعة الشمس.
أنا زرت هذه الجمعية, وأعرف النساء هنالك جيدا.. أعرف أن الرمش مثل جبال جرش وأعرف أنهن أسسن هذه الجمعيات بالتكاتف وضيق التمويل.. لكن الإرادة تجاوزت كل ذلك.. وأعرف أنهن ساهمن في ترويج جرش سياحيا, وأعرف أن أرحامهن أنجبت ألوف العسكر.. وأعرف أيضا أنهن مثل زيت زيتونها.. يتوهجن في الصلاة والدعاء, وأعرف أيضا.. أنهن لا يتبجحن على شاشات التلفاز, ولا يقمن بزيارة الفنادق الفاخرة.. للمشاركة في ورشة عمل مدعومة من الخارج.. في جرش اتحاد الدم والجبل هو من يصنع الحياة.. اتحاد جذور الزيتون وشرايين القلب هو من يصنع الصبر.. وات?اد العيون مع الشمس هو من يبني وطنا بحجم الدنيا..
الأردن كله في يوم الجمعة يذهب لجرش, ليس لأجل الجو العذب.. بل لأن النساء هنالك أنتجن من الأرض أشهى أرغفة الخبز, وأنتجن اللبن.. لأنهن حافظن على الهوية في الطعام, ولم يقمن بتقديم برامج تافهة في محطات مغمورة عن طريقة طبخ (البيف ستراغنوف)... لم يقمن أيضا بتقليد المطبخ الغربي, ولم يقمن أيضا بالتخلي عن الهوية والتراب والتراث..
استغرب أن يعيبوا على جرش (اللبنة المدحبرة).. أن يعيبوا على الأكف الندية, تعبها وشقاءها في الإنتاج وإعالة الأسرة.. استغرب أن يتحول مجتمعنا إلى النقد المجرد فقط.. ولو أن الرئيس زار ورشة في فندق فاخر.. لأجل ندوة حول (سيداو) لما تقاطرنا جميعا إلى نقد الحالة مثلما انتقدنا (اللبنة المدحبرة)..
الأردنيات.. مداميك الهوية, والأردن لا يشاهد في فنادق عمان الفاخرة.. الأردن شبابيكه تطل من جرش وبوابته الجنوب, وسقفه حوران... (واللبنة المدحبرة) ليست عيبا وليست مثارا للسخرية, هي رسالة على أن جبال جرش بالرغم من تعب العمر ما زالت تصر على إنتاج الحياة.. هي رسالة أيضا عن المرأة الأردنية, التي تخط مكانها وتصنع زمانها عبر الالتصاق بهويتها الريفية والبدوية العظيمة والكبيرة, وليس عبر الانقلاب على تلك الهوية وتهميشها وشطبها...
وأنا أظن أن قيام الرئيس بزيارة هذه الجمعيات, هو أهم من ثرثرات كثير من ورشات العمل.. وهو أهم من زيارات لبعض المؤسسات التي لا تمتلك هوية ولا عمقا، وهو أهم من التبجح بخطابات الغرب ولغته.
الرموش في جرش, لا أراها رموشا أبدا.. بل هي إطار الهوية والحامية لتاريخنا.. وأعذب ألوان طيفنا الوطني... حمى الله جرش وحمى النساء الصابرات فيها فهن كحل الوطن.. وأحلى أغانيه.
لشدة غضبي لم أعرف إكمال المقال وتركت لجرش حرية إكماله.. وتركت للزملاء في تحرير الرأي حرية (دحبرته)..
[email protected]
