رأينا
تعبر الأغلبية العظمى من المواطنين الأردنيين عن استيائها من تواجد الأعلام الحزبية في المظاهرات والاعتصامات لدرجة أن هذه الظاهرة مثلت أحد أسباب انصراف قطاع واسع عن المشاركة في مناسبات وطنية عديدة، كما يطمح الأردنيون اليوم إلى إصلاح شامل يستطيع أن يستوعب الجميع في بوتقة مواطنة إيجابية ومنتجة تصبح الكفاءة والانتماء الحقيقي بكل ما يحمله من معان لإنكار الذات والتضحية هما ملتقى الإجماع الوطني.
ليس صعباً أن يستدعي أي اتجاه أنصاره، وأن تستجمع أي دعوة جميع المتحمسين لها، ولكن وراء المشهد يكون الحاضر هو عزوف بقية الأردنيين عن المشاركة، وشعورهم بأن هذا الإتجاه أو تلك الدعوة لا يعبران عن نبض المجتمع الأردني، والمطلوب وإن يكن صعباً اليوم، هو خلق حالة شاملة تستقطب الأردنيين وتتيح لهم فرصة الحوار والاختلاف من أجل الوطن لا عليه.
يكاد التوقيت أن يطرح أسئلة كثيرة عند التعامل مع كثير من الدعوات، ومع ترقب وطني لإنطلاق مسيرة إصلاحية جديدة تظهر بعض الدعوات لاستنفار شخصي أو جهوي، وكأن الوقت مناسب لمعالجة بعض التفاصيل الغائبة، وكأن المرحلة بكل تطوراتها الإقليمية والدولية تتحمل خلط الأوراق.
يجب العمل على إتاحة الفرصة للتجمعات الوطنية الصادقة من خلال الروافع التوافقية التي يمكن أن تتحدث نيابة عن الأردنيين جميعاً، فموسم الإصلاح الذي يظهر أفقه أمام الأردن يجب أن يجد صداه في الجامعات والأحزاب والنقابات، وأي أرضية تمثل الشعب الأردني بعمقه وامتداده، فالإصلاح فرصة للأردنيين جميعاً، مشروع يجب أن يشتركوا فيه وأن يعملوا على استكماله، أما الخروج بالشكوى والمظالم، الحقيقية والمتخيلة، فهو لا يخدم الإصلاح، بل وينتقص من فرص استمراره واستدامته، وما يجمع عليه الأردنيون هو مبدأ الإصلاح، والمطلوب حوارهم حول شكله وتفاصيله بعيداً عن التشنج والتوتر.
الميول الاستعراضية التي يحملها البعض، والصوت المرتفع الذي يلجأون إليه، وتغييب الأسباب الحقيقية للمشكلات، ومحاولة الهروب بالأزمات إلى الأمام لتضخيمها واستثمارها، كلها أمور لا تخدم الوطن في هذه المرحلة، فالتحديات الماثلة أمام الأردن كبيرة، والدولة الأردنية التي استطاعت أن تتصدى لضغوطات دولية هائلة خلال الأعوام الماضية قادرة على استيعاب هذه النوعية من الأزمات، إلا أن التساؤل الذي يدور ببال الأردنيين يتعلق بإهدار الوقت في أزمات مصطنعة تستهلك من طاقتهم وتشتت تركيزهم في مرحلة جني الثمار، وفي خضم الساعات الأكثر حلكة التي تسبق انبلاج النهار، والجميع مسؤولون أمام الأجيال المقبلة التي ستقرأ التاريخ بعيداً عن الصراعات الشخصية والضغائن الهامشية.