د. هزاع عبد العزيز المجالي
قبل أيام كنت في لقاء على أحد أهم البرامج التلفزيونية على محطة المملكة، في حلقة بعنوان (مستقبل العلاقات الأردنية الإسرائيلية). وقد كان أهم محاور النقاش يتعلق باتفاقية السلام الاردنية الإسرائيلية وطرد السفير الإسرائيلي من الأردن، وفي ذلك اليوم كان القصف على قطاع غزة ما زال مستمرا،والأجواء الشعبية مشحونة ضد الكيان الإسرائيلي، وقد كان هناك شبه اتفاق بيني وبين الضيف على ضرورة اتخاذ اجراء مباشر بطرد السفير الاسرائيلي من الأردن. ولكن الخلاف كان حول إلغاء معاهدة السلام مباشرة، في حين وان كنت اتفق مع الضيف في المبدأ ولكن كنت اختلف معه في التوقيت، وبضرورة التأني، فهناك التزامات قانونية وتعاقدية، تترتب على الإنسحاب من هذه الاتفاقية. وأن إنهاء الإتفاقية بهذا الشكل سوف يؤدي الى إضرار بالمصالح الأردنية. ثم دار الحديث حول عدم توافق الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي من طرد السفيرالإسرائيلي.
أعترف أنه قد جانبني الصواب، متأثرا بالأحداث، في هجومي على الحكومة، ولكنني كنت أعلم في داخلي أن الموقف الرسمي كان متناغما مع الموقف الشعبي. فالأردن لم يأل جهداً في الوقوف الى جانب الأشقاء الفلسطينيين ملكا وحكومة وشعبا وعلى كافة المستويات والأصعدة. بل إن المظاهرات التي عمت ارجاء المملكة، كانت بمثاية انتفاضة شعبية، شكلت ورقة ضغط رابحة وسندا قويا للدبلوماسية الأردنية في طرح موقفها أمام كافة الجهات الدولية. اما على المستوى الداخلي، فلقد هيأت الحكومة كافة الوسائل والظروف التي ساهمت في حرية التعبير الشعبي، بالتضامن مع الأشقاء في فلسطين دون قيود، إلا في حدود ما تفرضه عليها إلتزاماتها الدولية والدبلوماسية، في توفير الحماية للسفارة (الإسرائيلية): » اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية » عام 1961، وتحمل رئيس الوزراء والحكومة، نقدا وصل حتى التجريح والتشكيك في الموقف الرسمي للحكومة.
إن العلاقات بين الدول، لا تحكمها العواطف، بل الإلتزامات والمصالح المتبادلة، وليس بالضرورة أن تكون تلك العلاقات دائما في حالة إنسجام ووفاق، فعلى الرغم من وجود العديد من الإتفاقيات بين روسيا وأوروبا وأمريكا، فإن هناك العديد من الخلافات فيما بينهم تصل حد النزاع وتضارب المصالح وحتى الشتائم و في عديد من المرات تصل الى طرد الدبلوماسيين. ورأينا جميعا كيف صرح الرئيس الأميركي بايدن بأن الرئيس الروسي بوتن (مجرم)، ولكن ذلك لا يعني بالمطلق قطع العلاقات الدبلوماسية.
وبالعودة الى اتفاقية السلام مع إسرائيل، فلا أدري ما هي الفوائد التي يحققها الأردن من إلغاء الاتفاقية؟، وما هو البديل في ظل موقف عربي متفكك، بل إن هناك من الدول العربية من أصبح له مصلحة، ويتآمر ويتربص لإلغاء هذه المعاهدة، ليجدوا لأنفسهم عذرا في الإستيلاء على الوصاية الهاشمية، على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، وما هي الإنعكاسات السلبية على كافة الأصعدة الإقتصادية والأمنية، التي سوف يتحملها الفلسطينيون والأردنيون، إذا ما تم إلغاء الإتفاقية. والجميع يعلم أن بوصلة التأييد في المجتمع الدولي بصفة عامة تنحاز نحو إسرائيل. والغريب أن البعض تطلب من الدولة الأردنية أن تتحمل تبعيات الغاء المعاهدة، رغم إنعكاساتها السلبية، مقارنة بما يتحمله الشعب الفلسطيني، وهذه مقارنة خاطئة، لأن ما يحصل في فلسطين شيء طبيعي عند كافة الشعوب التي ناضلت، لنيل الحرية والإستقلال. المطلوب أن نحتكم دائما لعقولنا قبل ان نحتكم لعواطفنا لذا اقول عذرا للحكومة.