محمد يونس العبادي
في مثل هذه الأيام من شهر أيار، في مطلع عقد الخمسينات وبداية النصف الثاني من القرن الماضي، تطالعنا وثيقة تروي جانباً من سيرة وطننا العزيز.
والوثيقة، هي أول خطاب ألقاه الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، بعد اعتلائه العرش، وذلك بتاريخ الثاني من أيار 1953م، وجاء فيه «أبناء وطني، أحمد الله جل شأنه وعلت مشيئته على ما تفضل وأنعم من خير سابغٍ وفضلٍ عميم، ممثلاً في المشاعر النبيلة والعواطف الصادقة التي جعلتموها من نصيبي منذ عودتي إليكم يا أبناء وطني الأعزاء».
واستهل الحسين بن طلال طيب الله ثراه، حكمه بالقول «وأنه ليطيب لي أنّ استهل هذا العهد بتحيتكم تحية طيبة، صادرة من قلبٍ يفيض بحبكم ويبتهج بوفائكم وصادق ولائكم، ألا وأن العرش الذي انتهى إلينا، ليستمد قوته بعد الله، من محبة الشعب وثقته، وإنني سأنمي هذه المحبة وهذه الثقة، بخدمة الأمة ورعاية مصالحها، ورفعها فوق كل اعتبار».
ويمضي الخطاب الملكي بالقول «لقد جبت الوطن طولاً عرضاً، واستمعت إلى كثيرين من أبناء وطننا الحبيب وتحدثت إليهم، فامتلأت نفسي ثقة وعزيمة، وفاض قلبي أملاً ورجاءً، فأخذت العهد على نفسي مجانبة الراحة من أجلكم، والعمل لخيركم والتضحية في سبيل إعزاز وطننا الغالي، الذي نحيا له وفي سبيله نموت».
«إني لعظيم الأمل، بأن ما فطرتم عليه من إيمانٍ بالله وحب الوطن، سيجعل هذا العهد، وهذ المرحلة، عهداً سعيداً ومرحلة جديدة، تسود فيهما التضحية والبذل، والعمل الصادق لتحقيق الخير لأبناء هذا الوطن، بل للعرب أجمعين».
ويضيف الحسين بالقول «بني وطني.. لقد لمست مرارة النكبة وآلام المحنة، فذكرت أنّ المحن عبر والآلام شموع تضيء الطريق نحو الحق والصواب، فلنبادر إلى البناء، ننظم الصفوف في الداخل والخارج، ونعمل نحو غاية واحدة وهدف واحد، فحقوق الإنسان لا تطويها صفحات النسيان، بل انها تحيا بالمثابرة والدأب والاجتهاد».
«فليكن النظام رائدنا والتعاون مطلبنا والاتحاد في الصفوف رمزنا وشعارنا، ولنعمل متناصرين متعاضدين، لنبني وطناً قوياً محكم الدعائم، راسخ الأركان، يتفيأ ظله الوارف وينعم بخيره الوفير جميع المواطنين على السواء».
لقد حيا الحسين في هذا الخطاب الهام، الجيش العربي، مستحضراً بطولاتهم ومؤكداً أن الشعب الأردني جزء من الأمة العربية والجيش الأردني من فيالق الجيش العربي الواحد، ذلك أنّ الحسين أسس لعهدٍ آمن بأن الأردن ليس إلا جزءاً لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير.
لقد فتح حُكم الحسين طيب الله ثراه، صفحة جديدة من تاريخنا الأردني، تميزت بالصعاب ولكنها أسست لأردن استطاع أنّ يتجاوز الصعاب وهو مؤمن بخطابه وما تأسس عليه من مبادئ عروبية حقة.
رحم الله الحسين، ودام الأردن الهاشمي عزيزاً..