بقي الأردنيون المعتادون على الاستقرار يمضون ساعات عصيبة خلال الأيام الماضية يساورهم القلق ويحاصرهم التوتر، ولا يمكن لأحد أن ينفي مشاعر الصدمة التي انتابت كل مواطن أردني، ولم يكن الملك بمنأى عن مشاعر الصدمة والألم والغضب، فهو الذي عرك الحياة طولاً وعرضاً واستطاع أن يواجه أصعب وأخطر التحديات، أخذ يشعر بالغيظ يحوطه وهو ينظر إلى فتنة أتت بعض أطرافها هذه المرة من داخل بيتنا الواحد، كما وصفه جلالته، إلا أنه انتمى إلى التراث العميق والضارب الجذور في التاريخ والمسطور في كتاب الله عزوجل، ليكون من ((لْكَـاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ))
لم تتضح بعد الصورة الكاملة، فالأجهزة المعنية تواصل عملها بكثير من التركيز والتوازن، ومع ذلك، اتخذ جلالة الملك قراره بأن يخرج للشعب الأردني وأن يخاطبه من القلب ومن موقع كبير العائلة بمعنى الأقارب من جهة الدم والسلالة، وبمعناها الواسع الذي يضم ويتسع لجموع الشعب الأردني كافة، فالفتنة بحكمة ملكية، وبكثير من الصبر والشجاعة وئدت في مهدها، وللأردنيين اليوم أن يواصلوا حياتهم بطمأنينة، فرجال الأردن وفي مقدمتهم جلالة الملك سيتابعون العمل على اجتثاث جذور الفتنة والحيلولة لمنع عودتها لتخيم بظلالها القاتمة على الوطن الأردني الذي اعتاد أن يتفيأ ظل الدوحة الهاشمية بتقاليدها وشهامتها ونبلها.
الفتنة ليست سوى انعكاس لما يدبر للأردن الذي يقف مليكه ومن ورائه شعب نبيل في مواجهة مطامع جمة وجسيمة تترصده وتسعى لحرفه عن مبادئه وثوابته، والفتنة في هذا التوقيت وضمن هذه الملابسات إن دللت على شيء فإنها لتدلل على ثبات الأردن على جادة الصواب الوطني والقومي، ورفضه لمشاريع التسوية التي تلتهم حقوق أبناء المنطقة وتهدد الأجيال القادمة في كرامتها واستقلالها وثقتها في ذاتها.
تسللت أطراف الفتنة لتستغل بعضاً من المواقف وتلويها عن تفسيراتها المنطقية والمعقولة، ولم تضع هذه الأطراف أن تواجه تراثاً يمتد لمئات السنين من الوجود الحقيقي في قيادة الناس وإدارة تطلعاتها ورعاية شؤونها، وكانت هذه الحكمة التي تشربها جلالة الملك فتمازجت بشخصيته وسلوكه هي الحصن المنيع أمام محاولات التسلل الخبيثة، وفي وسط ظروف معقدة وحساسة كان العالم يراقب أداء هادئاً بعيداً عن التوتر والارتجال، ومثالاً متكاملاً وثرياً في استثمار العلاقة التي تربط المواطن بقيادته ودولته ومؤسساتها.
لا يحيق المكر السيء إلا بأهله، ووراء هذه الأزمة العديد من المنافع التي ستتكشف مع الأيام، وفي تفاصيلها التي سيتعرف عليها المتابعون في الأردن والعالم بأسره ما سيعزز الثقة في الأردن واستقراره ويجعله الرهان الحقيقي الوحيد من أجل بناء مستقبل أفضل للمنطقة من بوابة سلام عادل وشامل يحفظ للشعوب حقوقها وكرامتها، ويحافظ على مقدساتها ورموزها آمنة ومصونة.
تحدث الملك كما لم يتحدث من قبل، وستبقى كلماته في وجدان التاريخ الأردني الحديث بوصفها تعبيراً لا أبلغ ولا أعمق عن الروح الوطنية الأردنية التي تدخل مئويتها الثانية وكلها ثقة وايمان.