محرر الشؤون السياسية
أظهرت الساعات القليلة الماضية المعدن الأصيل للأردنيين الذين كانت ثوابتهم الوطنية المحرك الأساسي في لحظة تاريخية فارقة، فالأردنيون حركتهم ثقتهم في التقاليد الراسخة لمؤسسة العرش وعلاقتها الوطيدة مع جموع الشعب الأردني لتجعلهم يتخذون موقفاً مبدئياً تبدت فيه كل ملامح الحرص على الوطن والتشبث بأمنه واستقراره، ومهما تكن التفاصيل والجهات الخارجية التي سعت لزعزعة أمن الأردن، فإن من يقف وراء حالة التوتر يجهل بصورة كبيرة الجوهر الحقيقي للنموذج الأردني، وقد بدأت هذه الجهات وأدواتها تبوء بالخيبة وستبوء بمزيد منها في القريب العاجل.
خلال الأعوام الماضية كان الأردن يدخل في حالات من التوتر مثل أي بلد آخر، ولكن ثقة الدولة بقيادتها ومؤسساتها كانت تجعل الأردن يستطيع استيعاب كل التهديدات بل وتعامل معها بكل ثقة، ففي الأردن كانت الصحافة تغطي بصورة حثيثة محاكمات لمسؤولين سابقين، ولم تكن هذه المحاكمات تفت في عضد مؤسساتنا الوطنية العتيدة وسمعتها العربية والدولية، لأن الدولة ثابتة وضاربة بجذورها في الأرض، وفي الأردن تحدث الملك مراراً عن طبيعة التفاعلات السياسية بانفتاح وتحدث مع الشباب ومع القيادات المجتمعية ومع النواب والوزراء بكثير من المكاشفة، ?لكن البعض يحاول من وقت إلى آخر أن يختبر ذاكرة الأردنيين.
ما زالت التحقيقات جارية، وستتكشف خلال الأيام القادمة المزيد من التفاصيل، وسيجري إخطار الأردنيين بتفاصيلها أولاً بأول، وستتابع أجهزة الإعلام العربية والعالمية التفاصيل بعد أن حققت السبق الصحفي الذي سعت له قبل ساعات، فهذه المنصات الإعلامية ومنها منصات محترمة ومرموقة وأخرى موجهة ومغرضة لم تمتلك جميعها الحرص الوطني الأردني الذي يجعل المواطن متيقناً بأن الأردن سيتجاوز تبعات هذه الليلة وسيخرج كما جرت العادة أكثر قوة واستقراراً.
حاول جلالة الملك أن يقوم بحل بعض الأمور في نطاق الأسرة الهاشمية، إلا أن رغبته الأخوية في تسوية المسألة في نطاق التفاهم لم تقابل بانفتاح وايجابية، ولذلك تقدمت مصلحة الوطن على العائلة، فملايين الأردنيين ترتبط حياتهم باستقرار المملكة ونظامها ومؤسساتها، والملك هو المرجعية الأعلى في هذه الحالة، والملك يعرف أن الأمر تجاوز الحدود المقبولة، وأن المسألة لم تعد شخصيةً ولكنها أصبحت تمس الوطن واستقراره.
المتربصون بالأردن على شيء من السذاجة المثيرة للغثيان، فهم يتوهمون أن بإمكانهم إرسال طائراتهم في غفلة من الأجهزة الأمنية، ويتناسون أن الأردن استطاع أن يضبط لأكثر من عشر سنوات مئات الكيلومترات من الحدود الساخنة والمسورة بالتهديدات الإرهابية دون هفوة واحدة، وتصور لهم ضلالاتهم أن المواطن الأردني يمكن أن ينخدع ببعض الانفعالات التي تستغل الظرف الاقتصادي الصعب وكأنه يعيش خارج الكرة الأرضية ولا يعرف أن الأزمة المحلية هي حصة الأردن من أزمة عالمية لا تترك بلداً واحداً في العالم بعيداً عن التأثيرات السلبية، ويتجاهلون?حقيقة مفادها أن الشعب الأردني من أكثر شعوب المنطقة وعياً ومتابعة للحدث السياسي، ومن أكثرهم حرية في التعبير وجولة سريعة في مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تظهر ذلك بوضوح وجلاء.
الأردنيون ليسوا متعجلين على نتائج التحقيقات، فالمهم هو أن بلادهم تجنبت فصلاً من الاضطراب بحنكة القيادة الأردنية والأجهزة الأمنية ولقنت المتربصين بالأردن درساً يستطيعون من خلاله تبيُن الخط الأحمر الذي لا يمكنهم الاقتراب منه أو المناورة حوله، والأردنيون ليسوا قلقين ولكن المنطقة بأسرها هي التي أظهرت القلق فأخذت تتداعى ببيانات التأييد لأن الأردن يمثل واحة الاستقرار في خضم الاضطراب الذي تعيشه المنطقة، والأردنيون لم تساورهم الشكوك للحظة ولم يتزعزع يقينهم، ولكنهم بالفعل يشعرون بشيء من الخذلان لأنهم كانوا يتوقعون ?ن بعض الشخصيات أن ترتقي لمستوى المسؤولية والمرحلة والضمير الوطني.