محمد يونس العبادي
إنّ قراءة سياق معركة الكرامة وأحداثها لا يمكن أنّ يتم بمعزلٍ عن الظروف التي قادت إليها، أو الدروس المستفادة منها، إذّ تعبر هذه المعركة عن مقدرة مؤسسة الجيش العربي عن الاستفادة من تجربة حزيران عام 1967م.
وتروي عديد من المراجع التاريخية، تطوير القوات المسلحة لقدراتها الاستخبارية، لتكون قادرة على رصد المتغيرات التي تجري غربي النهر.
يستدل على هذا الدور الذي لعبته الاستخبارات الأردنية، من وثائق عدة، بينها، ملخص للموقف العسكري قدمه مدير الاستخبارات العسكرية غازي عربيات في 15 شباط 1968م، في فترةٍ استمرت فيها تجاوزات جيش الاحتلال.
إذّ رصد الملخص قيام جيش الاحتلال بعدوانٍ يوم 25 كانون الثاني 1968م، على القوات المسلحة الأردنية الجيش العربي، في جسر الملك الحسين، وعلى مخيم النازحين في غور الأردن.
إضافة، إلى عدوانٍ يوم 8 شباط 1968م، على طول الجبهة الأردنية، وقصف قرى أردنية بالمدفعية، وهي كريمة، معدي، الشونة الجنوبية، المشروع، الجمرك، داميا، جسر الملك حسين، غور نمرين، المزارع ومخيمات النازحين، وتخللها اشتباكات بالدبابات مع قوات العدو.
ووثق الملخص، أيضا، عدواناً بالمدفعية على طول الجبهة بتاريخ 11 شباط 1968م، بالإضافة إلى رصده لحركة على طول الجبهة وخط وقف إطلاق النار في وادي الأردن، بالإضافة إلى نشاط جويٍ واسع وزرع الألغام.
هذا النشاط الاستخباري العسكري لقواتنا الباسلة، تنبه باكراً إلى أنّ العدو يخطط للمعركة، وتشير وثيقة بتاريخ 20 أذار 1968م، صادرة عن الاستخبارات العسكرية، ومنشورة في كتابٍ صادرٍ عن المعركة عام 1970م، لمؤلفه معن أبو نوار إلى الوضع العسكري قبل معركة الكرامة بيوم.
والوثيقة تقدم خلاصة للموقف حتى الساعة الثالثة من يوم 20 أذار1968م، وجاء فيها، أن النشاط الجوي للعدو ارتفع ارتفاعاً ملحوظاً منذ 15 أذار على طول خط وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى اختراقات لطيران العدو لأجواء الضفة الشرقية مرات عدة، بقصد الاستطلاع والتصوير.
ويمضي التقرير بإيضاح الوضع الأرضي، بقوله إن تحركات واسعة لقوات العدو بدأت الساعة الثانية من تاريخ 19 أذار ولا تزال، وقد شملت عدة قوافل من السيارات العسكرية والمدنية على طرق طولكرم-نابلس-الجفتلك-والقدس وأريحا؛ بالإضافة إلى رام الله – الطيبة – أريحا، بالإضافة إلى تعزيزات لقوات العدو.
ونبه التقرير أيضاً، إلى تحرك لقوات العدو على طول خط وقف إطلاق النار، محذراً من أن العدو استقدم لواء دروع وعناصر من المدفعية والمظليين إلى منطقتي الجفتلك وأريحا.
وثق هذا التقرير أيضاً، لحصيلة قوات العدو المتحضرة إذ بلغت في منطقتي الجفتلك وأريحا لواءين من الدروع ولواء مشاة محمول وكتيبة دبابات، بالإضافة إلى كتيبة مظليين ووحدات من المدفعية، وختم التقرير بالقول «يتوقع العدوان في أيّة لحظة».
أهمية هذه التقارير التاريخية، في أنها تظهر الجهد والرصد والدور الذي أداه منتسبو قواتنا المسلحة، وتحديداً مديرية الاستخبارات فيها، فالكرامة.. هي معركة جيوش ومدرعاتٍ وأسلحة ثقيلة... وهي معركة في جانبها العسكري تعبر عن خبرةٍ عسكرية متعززة لجيشنا العربي في رصد العدو والتصدي له.
رحم الله شهداء الكرامة.. ودام جيشنا الهاشمي الباسل.