رأينا
عاشت الأمة العربية أشهراً من الشعور بالمرارة والإحباط أتبعت نكسة حزيران 1967، فالخسارة الفادحة في الأراضي العربية التي احتلها الجيش الإسرائيلي ترافقت مع ظهور أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وانفتحت شهية اسرائيل العدوانية لتقضم من الأرض العربية المزيد لتأمين ما استحوذت عليه في عدوانها السابق، وكانت الأردن في مقدمة الأهداف الإسرائيلية لينفذ جيشها اعتداءاً واسعاً على عدة محاور تمتد لعشرات الكيلومترات شمال البحر الميت في صبيحة 21 آذار 1968 ولتشهد بلدة الكرامة أول انتصار عربي على اسرائيل أسفر عن انسحاب اسرائيلي كان يشهد للمرة الأولى في التاريخ فراراً اسرائيلياً يخلف وراءه القتلى والآليات العسكرية وسمعة اسرائيل التي وضعت على المحك بعد أن حاولت حكومتها أن تصور للعالم أن المعركة لن تكون سوى نزهة لجيشها وراء حدود الاشتباك.
كان الجيش العربي الأردني قد حقق انتصارات سابقة على اسرائيل في حرب 1948 وفي صده لاجتياح قرية السموع 1966، إلا أن معركة الكرامة كانت حرباً مستقلة بذاتها في عدوانيتها وسياقها وأسبابها، والمعركة التي تمكن الأردنيون خلالها من تحقيق انتصار واضح وحاسم أجهضت العدوانية الإسرائيلية لسنوات حيث عاودت اسرائيل التحرش التوسعي بجوارها العربي بعد ذلك بعقد من الزمن في جنوب لبنان في عملية الليطاني 1978، وبقياس المعركتين وأهدافهما المشتركة يمكن الوقوف على أهمية معركة الكرامة الاستراتيجية بجانب قيمتها المعنوية الكبيرة.
لحقت بإسرائيل خسائر فادحة في المعركة ولحقت خسائر قياسية ولعل اسرائيل لم تكن اعتادت على خسارة المئات من جنودها في يوم واحد كما حدث في الكرامة المعركة التي تواصلت لساعات ووصلت ضراوة الاشتباكات خلالها إلى المواجهات بالأسلحة البيضاء في تعبير عن شجاعة الجندي الأردني وتوطد عقيدته الوطنية والقتالية، وقبل نهاية اليوم كان واضحاً أن شمساً جديدةً تشرق على الأردن والعرب جميعاً، شمس الثقة والفخر.
في رسالته إلى منتسبي الجيش العربي بعد النصر المبين في الكرامة كان المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال يعزو أسباب الانتصار الأردني إلى الإيمان والجهد والتنظيم، وكم نحتاج اليوم إلى استعادة هذه القيم كاملة وبصورة متوازية في حياتنا والأردن يواجه تحديات كبرى وغير مسبوقة ويخوض حرباً استزافية ضد الوباء الذي يفتك بحياة الأردنيين ويحتاج منهم كل التعاون والتكاتف وتراص للصفوف في استلهام لسيرة الآباء والأجداد كما استنهض الملك الأردنيين قبل أيام، فالأردنيون لا يعوزهم الإصرار ولا العزم لاجتراح المعجزات وتحقيق المنجزات، وما زالت قيادتهم قابضة على ثوابت الكرامة ومبادئها وواثقة في الإنسان الأردني ومساندة له في تحقيق ذاته الوطنية وغاياته الإجتماعية والاقتصادية التي تضعه في المكانة التي يستحقها على مستوى المنطقة والعالم.
كم نحتاج إلى روح الكرامة ودروسها اليوم في معاركنا المتواصلة لتحقيق ذلك المستقبل.