محمد يونس العبادي
قبل أن يجتمع الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين بوزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل في القدس في آذار 1921م، في اجتماع تمخض عنه الاعتراف به أميراً على شرق الأردن، كان قد استبق اللقاء برسالة إليه حملها عوني عبدالهادي.
الرسالة شرحت الحالة الحاضرة في المنطقة العربية، لحظة وصول الأمير، وشرحت الأماني العربية الساعية إلى تكريس كيانٍ عربيٍ بعد معركة ميسلون، ومما جاء فيها: «إن رغائب العرب.. نيل الحرية والاستقلال في بلادهم السورية والفلسطينية والعراقية، إنهم يطلبون أن يكون لهم حق الحياة في بلادهم، ولا يكون هذا الحق إلا إذا كانوا أحراراً فيها، ولا يكونوا أحراراً إلا إذا كان لهم حق تأسيس الحكومات التي يرغبونها لهم ويرونها صالحة لتحقيق سعادتهم في المستقبل».
الرسالة شرحت حال العرب، وما لحق بهم من جورٍ بعد الحرب العالمية الأولى، بقولها «لا يوجد اليوم في جميع البلاد العربية الواسعة المنسلخة عن تركيا حكومة متمتعة بهذا الحق، خصوصا بعد تجاوز الفرنسيين على الشام وحلب وحمص وحماة ودولهم إليها ظلماً وعدواناً، اللهم إلا هذه البلاد الواقعة في شرق الأردن».
ويشرح الملك المؤسس أسباب قدومه إلى شرقي الأردن، قائلاً: «وإني جئت إلى هذه البلاد التي تتمتع وحدها بحكومة وطنية تحت سيادة أخي الملك فيصل، فإنه من البديهي أن العرب لا يمكنهم أن يتخلوا عن المطالبة بحقوق سائر البلاد المغصوبة بجميع ما لديهم من الوسائط».
تختم الرسالة بالقول «إننا لا نزال نطمئن.. إلى مناصرة بريطانيا العظمى ووفائها للعهود المقطوعة لجلالة والدي الملك، رغبة منها في تحقيق السلم والطمأنينة في الشرق كله».
سلم عوني عبدالهادي الرسالة إلى تشرشل في القاهرة، وجرى بعدها اللقاء في القدس، وهو لقاء حمل وعداً بريطانياً إلى الملك المؤسس بالحديث إلى الفرنسيين بشأن استعادة المملكة العربية السورية، وأراد الملك المؤسس من هذا الاتفاق أن يكون حجر الزاوية في ترسيخ فكرة ومشروع الثورة العربية الكبرى، الساعي إلى إقامة دولة عربية مستقلة في المشرق العربي.
غير أن الظروف وما حمله الانتداب من مشاريع التجزئة حالت دون تحقيق الفكرة العربية، ورغم ذلك آمن الملك المؤسس بأن شرق الأردن هي نقطة الانطلاق لتأسيس المشروع العربي.
ويعبر عن ذلك قراءة وثائق التأسيس، التي تعكسها مراسم استقبال وجهاء القبائل وأحرار العرب للملك المؤسس في عمان عبرت عنها خطاباتهم وكلماتهم.
إن الفكرة العربية التي آمن بها هذا الوطن، هي فكرة بقيت تتردد في عقود لاحقة، ويعبر عنها مشروع سوريا الكبرى والوحدة الأردنية الفلسطينية عام 1950م، ودور بلادنا الموصول إلى اليوم بالوقوف لجانب القضايا العربية.