محمد يونس العبادي
بلاد شرق الأردن جزء من البلاد العربية التي حررتها جيوش الثورة العربية والموعودة بالاستقلال من قِبَل الحليف البريطاني الذي قلب ظهر المجن ومعه الحلفاء للعرب لكثير من الوعود وبخاصة بشأن وحدة العرب، فعمل المغفور له الملك عبد الله بن الحسين المؤسس على التقدّم ومعه الأردنيون على تأسيس حكومة عربية مستقلة برئاسته، واعترفت بها بريطانيا رسمياً عام 1923م واتفق الجانبان على أن تكون دستورية.
وكان المؤسس قد أعلن عام 1922م وفي كثير من خطبه وبلاغاته منذ وصوله إلى عمّان على ضرورة قيام الحكم الدستوري في شرقي الأردن على أساس السيادة القومية وتعهد أنه لن يوقع عهداً ضاراً بمصالح البلاد.
وبدأت الحكومة الأولى للمؤسس منذ اليوم الأول على تشكيلها بمفاوضات رسمية مع الحكومة البريطانية تحقيقاً لأماني البلاد توصلاً لعقد معاهدة صالحة تضمن مصالح الفريقين المتعاقدين.
قدّمت حكومة شرق الأردن مشروع معاهدة عام 1922م وردّت الحكومة البريطانية على مشروع المعاهدة وبدأت المفاوضات والمكاتبات الرسمية التي أنتجت إعلان الحكومة البريطانية في 25/3/1923م عن الاعتراف بأنها أخذت تعدّ العدّة للإعلان عن استقلال البلاد الأردنية، وخاطب الملك المؤسس الحكومة البريطانية على ضرورة الإسراع في تنفيذ رغائب الشعب وإشراك الأمة في التشريع والإدارة بواسطة نوابها فوافق على تأليف لجنة منتخبة من ممثلي الشعب والتي اجتمعت برئاسة ناظر العدلية عام 1923م ووضعت قانون الانتخاب للمجلس النيابي على أساس التمثيل القانوني الصحيح وأقرّت الحكومة هذا القانون وصدرت الإرادة المطاعة بتنفيذه وتم نشره.
كما صدرت (الموافقة الرسمية) وفي الوقت نفسه تمّ تأليف لجنة من علماء القانون لوضع لائحة القانون الأساسي لبلاد شرقي الأردن فاجتمعت هذه النخبة عام 1923م برئاسة مدير الآثار (السيد رضا توفيق) ووضعت لائحة القانون الأساسي مع مرفق بالأسباب الموجبة بعد استشارة أهل الحل والعقد من علماء وزعماء فجاءت تلك اللائحة محيطة بحقوق الشعب ومتفقة مع حاجات البلاد ومرفقة ببيان واضح لوضع إمارة شرقي الأردن، لكن بريطانيا كان لها رأي آخر وقد بدأت تظهر مطامعها الاستعمارية جلياً عندما طلبت رسمياً حق الاستئثار بمنح الامتيازات واستقلال الثروة الطبيعية فرفض الملك المؤسس وذلك في حينه باعتبار أنّ مثل هذا الأمر هو حق من حقوق الشعب يجب أن ينظر فيه المجلس النيابي عند انتخابه، لكن جزع ممثلي الحكومة البريطانية واستنكارهم للمطالب فأصبح على شرقي الأردن الغرم ولبريطانيا المغنم، وأظهرت تسلطها وتواصلت المظاهرات والاحتجاجات إلى أن تم إعلان الاستقلال الناجز.
هذه الملامح من تاريخنا تعبر عن كفاح الاردنيين ضد الانتداب، وخطابهم العروبي المستقى من مفردات النهضة، وصولا إلى الاستقلال الناجز عام 1946م.