محمد يونس العبادي
تعتبر القومية العربية من أهم موضوعات القرن الماضي، فتاريخ القومية العربية هو تاريخ التطور الاجتماعي والسياسي والفكري والاقتصادي للشعوب العربية.
وفي مقال مهم كتبه بالإنجليزية الحسين بن طلال لمجلة ليف الشهيرة في عددها الصادر في 23 أيار 1960م بعنوان «القومية العربية» مخاطباً العالم الغربي حول ماهية القيم العربية والإسلامية التي تحملها فكرة القومية العربية التي تبلورت في قيم مبادئ الثورة العربية الكبرى (النهضة العربية) والمساهمة العربية في الحضارة الإنسانية.
هذه الوثيقة دلالتها أنها حملت تصوراً عربياً أصيلاً للدولة العربية الحديثة، التي ترتكز على قيم العدل والتآخي والمساواة والديمقراطية، وقد وضعت الدين في منزلة رفيعة في الدولة والمجتمع «دولة الإنسان التي هدفها التنمية الإنسانية بأبعادها كافة».
تبدأ وثيقة المغفور له الحسين بن طلال بالمقولة العربية «السلام يبعثه التفاهم لا الاتفاقيات» فيقول إنّ الاتفاقيات تنقض بأيسر من أن تعقد أمّا التفاهم فلا يمكن نقضه، ولذا فإنّ من الأهمية بمكان عظيم لخدمة السلام أن يقوم تفاهم أفضل بيننا بوصفنا شعوباً، بل أمماً تسعى لتحقيق هدف واحد، ولكننا كأمم نضيع بعضنا بعضاً في شتى الدروب التي نطرقها لتحقيق أغراضنا القومية.
لقد أراد الملك الحسين من هذه الوثيقة أن تكون الأساس الفكري والأخلاقي والسياسي للرؤية الهاشمية للدولة العربية الحديثة البنية على أسس ومبادئ النهضة العربية، لذلك فهو يقدّم فيها للعالم الغربي أنموذجاً عربياً حديثاً، لذلك فهي في نظره قوّة خير وتآلف بين العرب، وهو يقول إنّ القومية العربية ليست معادية للأمم أو القوميات الأخرى، وينظر للقومية العربية على أنها قوّة تطوي جوانحها على الخير وتعمل من أجله، إنها تؤلّف بين العرب حتى لو تفرّقوا شيعاً وأحزاباً وهي التي تحدوهم إلى إيجاد عالم عربي أشد تماسكاً ومَنَعة بصرف ال?ظر عن أية تغيرات تعصف بالحكّام أو بأنظمة الحكم.
كما أنّ المغفور له الملك الحسين يرى أنّ القومية العربية ولدت في وقت كان العالم يغطّ في سبات العصور المظلمة وازدهرت مدنيات عربية اليمن ومكة والبتراء وتدمر وسوريا الجنوبية والعراق. ويعود بجذورها إلى بداية الإسلام (611) بعد الميلاد، فالدين هو الذي بعث القوة الروحية التي جاءت بمجموعة من القيم والمبادئ الجديدة المساواة بين الأفراد بغض النظر عن عنصرهم وهذا أول مبادئ الإسلام.
فالوثيقة تصف الدولة الأردنية التي أرادها الهاشميون بأن تكون الدولة العربية الحديثة التي تقوم على الحرية والوحدة والمساواة والمنعة والتقدّم، ويصف البيت الهاشمي الذي ينتمي إليه بأنه بيت الأمة التي ينتمي لها ويقول: لقد وقفت حياتي لقضية كريمة كما وقفت أسرتي الهاشمية حياتها طوال التاريخ العربي، أمّا هذه القضية فهي أن أكون عربياً جديراً بثقة العرب ولست أخشى في هذا إلّا الله.
إن هذه الأسس التي وردت في هذه المقالة الطويلة هي فلسفة الهاشميين في الحكم ونظرتهم لبناء الدولة الحديثة التي يعززها حامل شعلتها ونحن على أبواب المئوية الثانية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين الذي يقدّم رؤية تواكب روح العصر وتحديث الدولة وتتجلّى هذه الرؤية الملكية السامية الآن قولاً وفعلاً.