عماد عبدالرحمن
تبدو خطوات السير نحو التوسع في برامج التدريب التقني والمهني في المملكة، بطيئة حتى الآن رغم الاهتمام بهذه التوجهات وعلى أعلى المستويات، ولعل تواضع تفاعل المجتمع مع هذه التوجهات لما تحتفظ به ذاكرتنا من ثقافات مجتمعية متوراثة بخصوص التخصص المهني والتقني، لها دور كبير في ذلك، رغم ان جميع المعطيات والارقام والتنبؤات التي تستشرف المستقبل تؤكد حاجة الاردن ودول المنطقة للتقنيين والحرفيين بحكم التطورات الصناعية والتكنولوجية الحالية.
في الاردن، كان لنا حضور رمزي مؤثر في مجال التعليم المهني ولعل مدرسة عبد الحميد شرف الصناعية في حي الصناعة بعمان، ومدرسة وصفي التل في إربد، خرجتا الاف المهنيين الاردنيين الذين أثروا السوق الاردني والسوق العربي، مهنياً وتقنياً، وبعد ذلك جاءت مراكز التدريب المهني التي خرّجت عشرات الالاف من التقنيين الاردنيين، الذين ساهموا في نقل وتوطين التكنولوجيا وتشغيل المصانع وصيانة الاليات الضخمة.
الان، ونحن في عصر ثورة تقنية وتكنولوجية ورقمية هائلة، تبدو الحاجة ملحة لمواكبة هذا التطور في مجال التعليم التقني والمهني، فلم تعد مشاغل ولا إمكانيات وزارة التربية والتعليم أو مراكز التدريب، قادرة على مواكبة هذه التطورات وإستقطاب التكنولوجيا الحديثة، لاسباب إدارية ومالية، لكن من الممكن التفكير بطريقة جديدة لتقليص هذه الفجوة ومتابعة التطورات التقنية والتخصصات الجديدة من خلال إشراك القطاع الخاص ببرامج التدريب المهني وتصميم البرامج الاكاديمية والاستفادة من إمكاناته وقدراته في تأهيل وتدريب التقنيين الاردنيين في?هذا المجال.
الهدف ليس فقط توفير البرامج والتقنيات بل زيادة أعداد الطلبة الملتحقين بالتعليم التقني، التي لم تزد عن 12 بالمئة، حتى الآن، علماً بأن الاستراتيجية الموضوعة تستهدف الوصول بنسبة الملتحقين بمؤسسات التعليم العالي التقنية الى 45 بالمئة، وفقاً لورقة قدمها الدكتور مفضي المومني أخيراً في ندوة متخصصة، وهي نسبة بعيدة المنال إذا لم يتم وضع خطط طموحة وبمستوى مرموق، وتوفير التمويل اللازم، وإيجاد مظلة إدارية وطنية مستقلة تضع السياسات والخطط والبرامج وتشبيك مع القطاع الخاص لزيادة مساهمته، والترويج للقدرات البشرية ومنحها ا?حوافز وتعزيز فرص التشغيل لها.
وزير التعليم العالي الدكتور محمد ابو قديس كشف أخيراً عن تشكيل لجنة من الجامعات والقطاع الخاص لدراسة واقع التعليم التقني ووضع أسس تطويره وكذلك العمل على إيجاد جسم أو مجلس يرعاه ويخطط له ويضع استراتيجياته الوطنية، وهذه خطوة مهمة على طريق تغير مسار التعليم التقني في الاردن، ويبقى دور القطاع الخاص في الاستثمار بقدرات الشباب حيوي من خلال إنشاء معاهد تواكب التخصصات التقنية العالمية الجديدة مثل؛ الذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة والمفاعلات النووية والطاقة المتجددة والخوارزميات والدرون والحوسبة السحا?ية.
لكن إذا لم يرافق كل هذه الجهود قناعة جديدة لدى الشباب الاردني والمجتمع، بأهمية التعليم التقني وحيويته ومستقبله المشرق، وتحفيز من الحكومات في البرامج والتشغيل للمهنيين، ستكون النتائج المُتحققة محدودة، ولن نستطيع تغيير الموروث بأن لا بديل عن الشهادة الاكاديمية، رغم أن فرص التشغيل فيها باتت ضعيفة للغاية.
[email protected]