عبدالهادي راجي المجالي
تعلمنا حين ننهي حفظ قصيدة, أن نجري مراجعة لها.. حتى تعلق في الذهن.. وأنا حين أكتب مقالا أجري مراجعة, بحثا عن الأخطاء النحوية وأخطاء الطباعة.. تخيلوا حتى (الطريش) حين يقوم بمسح الحائط وقبل أن يضع الدهان، يجري مراجعة للحائط الصامت عله يكون قد نسي ثقبا هنا، أو زاوية بارزة هناك..
وفي السيجارة حين تغمسها في المكتة، تجري الكثير من المراجعات بحثا عن الزهرة.. المشتعلة، وتضغط عليها بإحكام حتى تتأكد من الدخان المتصاعد أنه توقف... حتى حبات الرز وقبل أن توضع في الطنجرة, تجري سيدة المنزل مراجعات لها خوفا, من أن تجد حبة اعتراها السوس.. والطبيب حين يغرس في وريدك الإبرة, يعيد لمس الوريد مرات عديدة حتى يتأكد أن.. إبرته لن تخطئ وريدك..
إلا نحن فمن المستحيل أن نجري مراجعات, لم نقم مثلا بإجراء مراجعة لموقفنا من حراك نقابة المعلمين, لم نسمح لصوت ثان.. أو صوت معارض, والنتيجة كانت كما ترونها الان.. لم نقم بإجراء مراجعة للأحزاب وكيف صار اليسار يمينا وابنا شرعيا للسلطة وكيف انقلب اليمين إلى معارضة.. لم نقم بإجراء مراجعة للأ خطاء التي ارتكبناها في الانتخابات السابقة.. هي ذات الأخطاء تتكرر, وهذه المرة زادت ورافقها (الطخ)...
لم نقم بإجراء مراجعة لسلوكنا أثناء القيادة, الطريق الصحراوي أصبح جاهزا الان.. وكنا نحمل الطريق مسؤولية الموت, لكن الحوادث مازالت هي ذاتها والموت ما زال هو ذاته... وأحيانا تلطم, حين تجد «الفيس بوك» صباحا مليئا بالايات القرانية والدعوات للتسامح.. وأحاديث الإمام علي, وأجمل ما كتب في الصبر.. لكن حين تقوم بفتحه في المساء تكتشف أنه تحول لشتم, وقصف وتهديد.. ونثر لأبشع الكلمات وأكثرها بذاءة.. لم نقم للأسف بإجراء مراجعة, لعلاقتنا بالحكومات.. فنحن نقصفها في المساء والصباح, ولكن حين نرى الرئيس أو وزيرا.. نحرك هواتفنا?ونقاتل من أجل التقاط صورة معه..
الشعوب تحتاج للتروي أحيانا في قراراتها, بريطانيا مثلا منذ (4) سنوات وهي تبحث قرار انسحابها من الإتحاد الأوروبي, وفي النهاية أخضعته إلى استفتاء شعبي.. واتخذ القرار بهدوء تام, وأميركا منذ أن جاء (ترمب) للسلطة والمؤسسات تعتبره أنه أكثر شخص قد أخل بقيم الرئاسة.. لكنهم أمهلوه (4) أعوام ثم غيروه, والشعب الإيطالي تلقى أبشع موجة من كورونا.. ولكنه لم يحمل حكومته السبب, بل حمل الاتحاد الأوروبي مسؤولية التخلي عن ايطاليا...
الشعوب تحتاج لوقفات مراجعة, والشعوب المنفعلة.. هي الأكثر خسارة في التاريخ... لايوجد قوة تضاهي قوة الشعوب, لكن هذه القوة تندحر حين.. يتسيد الدهماء المشهد ويغيب العقل..
نحن منذ تأسيس الدولة, وخطابنا في نقد السلطة موجود ومعد مسبقا وجاهز.. ويتكرر في كل عام, لكن مشكلتنا أننا لا نملك خطابا في نقد المجتمع أبدا.
[email protected]