عبدالهادي راجي المجالي
حين يأتي عيد (الفالنتين)، تضج الإشارات الضوئية بباعة بالورد.. والدببة الحمراء، وترتدي المراهقات اللون الأحمر، و(المولات) تمتلئ بالناس الذين أتوا فقط لرؤية.. واجهات المحلات وهي تتزين بقلوب الحب الحمراء..
حين يأتي عيد (الفالنتين) حتى (الفيس بوك)، يصير لونه أحمر.. وسيارات (الكيا سيفيا) بالتحديد ذات اللون (الكحلي)، هي الأخرى تحمل وسادات على شكل قلوب حب.. تعلق على الزجاج الخلفي.. والأشجار في (البوليفارد) تزين بالعشق، تشعر للحظة أننا كنا ننتظر هذه المناسبة.. بفارغ الصبر، كون كل واحد منا يعيش قصة حب..
قبل أيام مرت ذكرى شهداء قلعة الكرك، كانت عادية جداً، من دون إشارات رسمية.. ولا وقفة تضامن مع عائلات الشهداء، ولا حتى التلفاز خصص برنامجاً أو ندوة عن هذه الذكرى.. مر الحدث عابراً، لم يقم أي مسؤول بزيارة للقلعة، لم يقم أي وزير بوضع إكليل من الورد على سور القلعة ولم يمر من مدخلها الذي بقي عالقاً في أذهان الشعب، حين أردى نشامى الأمن العام والقوات المسلحة أفراد تلك العصابة، لم تقم أي إذاعة.. من إذاعات (المياصة) بوقف الأغاني العاطفية، وبث ولو القليل من الأغاني الوطنية..
نحن غريبون.. يكتسحنا اللون الأحمر في عيد الفالنتين، وبالمقابل ننسى اللون الأحمر في دماء الشهداء الذين سقطوا، حتى تبقى الشوارع امنة، وأبواب المنازل امنة... وحتى نسير في الدروب بطمأنينة، نحن غريبون جداً.. يكتسحنا (الفالنتين) من أولنا إلى اخرنا.. وننسى معركة استمرت (12) ساعة متواصلة، وضع الأردني فيها يده على قلبه.. لكنه شعر بالارتياح حين شاهد هذا التلاحم الأسطوري بين الأمن والشعب، وحين لمت أربد بحضنها الكرك.. وحين بكت الخليل دمعاً على أرواح من صعدوا.. وحين استفز الفلسطيني في جنين.. وزار «الأقصى» ونذر صلاته فيها لأرواح شهداء القلعة.. نحن ننسى المحطات القاسية في حياة وطننا، بالمقابل نتقاطر على (البوليفارد) في عيد الحب.
أحيانا ننتقد الحكومات كثيراً، ومجالس النواب أكثر.. وننسى أنفسنا من النقد، في ذكرى شهداء القلعة، كان علينا أن نحتفل بهذه المناسبة.. ليس لأجل الاحتفال، ولكن لنذكر كل فتى نضج وكل صبية بدأت تشق دربها في الحياة، وكل أم وكل أب.. بأن هنالك فتية، قرروا في لحظة أن يستشهدوا.. ليس دفاعاً عن الحجارة, ولا عن الأسوار بل دفاعاً عما تمثله قلعة الكرك من تاريخ، ودفاعاً عن التراب الأردني... وعن العرش، وعن كل منجز في هذا البلد.. الشهداء وحدهم هم السارية العالية، هم وحدهم الأشرف والأعف والأطهر بين كل البشر.. هم وحدهم أنقى وأجمل ذاكرة للشعوب الحية، وهم الاحتفال الحقيقي والنصر أيضا..
ولكننا للأسف.. نحب (الفالنتين) أكثر ونحتفل به أكثر..
[email protected]