عبدالهادي راجي المجالي
أنا لا أعرف ماذا أكتب عن خالد جميل الصرايرة؟
كان مختلفا جدا, أستطيع أن أقول عنه أنه مثل مطر الصيف ينعش القلب ولا يبلل, ومن المستحيل أن تجلس معه دون أن يعيد فيك الزمن الأردني الجميل, زمن الوفاء والمحبة.. زمن الرجال التي تعرف الأردن بتفاصيله الصغيرة, وبالجغرافيا.. بالعشائر, واللحظات.
لم تغادره اللهجة الكركية أبدا, ولم يغادره الجيش, حتى حين تقاعد ظل عسكريا، ولم يحب الحياة المدنية كثيرا, فهو الذي أمضى أكثر من نصف عمره بكثير, داخل المؤسسة العسكرية ضابطا متنقلا بين وحداتها, وقائدا يعرف كل واحد فيها.
عاش زمن حابس المجالي, وكان ضابطا يافعا في ذلك الزمن.. عاش زمن فتحي أبو طالب, وزمن الأمير زيد.. وشهد اللحظات التي تطور فيها الجيش, شهد كل كبيرة وصغيرة, وأمضى في الميادين.. والكتائب من الزمن والعمر أكثر مما أمضى في بيته.
صراحة لا أعرف ماذا أقول عنه, غير أنه يأسرك في أمرين رجولته وبساطته, فهو القائد الذي كان الكل يخشاه, وكانت سطوته على السياسين.. كبيرة, هو الذي في عهده انتزع الإعفاءات ورتب أمور المتقاعدين, ولم يغلق بابه في وجه أحد من رفاق السلاح.. وأسس معادلة مهمة وهي أن كل متقاعد في الجيش, يبقى تحت مظلة الجيش.. وعلينا أن نرعاه ونقدم له كل ما يحتاج..
لكنه يبقى, مؤسس نهج البساطة والعفوية والرجولة, وما زلت أذكر صوته الهادر في مكتبه ومكالماته الهاتفية مع القادة، وأظنه كان المثال الحي للتطور الطبيعي في القيادة.. فهو لم يحب المكاتب أبدا بقدر ما أحب الميدان, والمناورة والرماية.
سنفتقده, الكرك ستفتقده أيضا.. والدرب الذي يؤدي إليها سيشتاق لعودته كل خميس مع صباحات الحب والخير, ورفاق السلاح الذين كانوا يأمون بيته لتناول القهوة وتذكر أيام السلاح سيشتاقون له, ولكل ابتسامة كان يطلقها في محياهم, الأولاد والأحفاد سيشتاقون له..
أنا لا أكتب مرثية, ولكني أكتب في حق رجل.. لن يمر ولن تنساه الأيام, بل سيبقى سطرا منيرا في تاريخ العسكرية الأردنية, لأنه تشربها مبكرا, وكان من أوفى الناس لها..
رحمك الله أيها الباشا النبيل الطيب.. وتأكد أن من يسكن قلب الناس, لا يغادر القلب أبدا.. وأنت سكنت القلب الأردني وأسرته, بطيبك ورجولتك.. وتفانيك.
[email protected]