عبدالهادي راجي المجالي
.. لم أكن يوما ضد المشي, بل العكس أنا أحب أن أمشي..وشاركت ذات مرة في (جروب) من أجل ممارسة هذه الرياضة, قالوا لي يجب أن تقوم بارتداء ملابس رياضية..وارتداء زي عاكس من أجل السيارات, والحضور في الساعة السابعة مساء.
مدير (الجروب) إسمه حمدي, وتساعده (ليلى)..والغريب أنهم صبايا وشباب, واغلبهم من طلبة الجامعات..وأنا خجلت حين سألوني عن جامعتي, أجبتهم بأني طالب ماجستير في الأردنية (صحافة), ولكن أحدهم كشف الكذبة وقال لايوجد برنامج للماجستير هناك ولا تخصص صحافة.. تلعثمت وعدلت (الكذبة) على الفور.
كانت هواتفهم ترن أثناء مسيرنا, وسمعت أحدهم يقول: (بابا)..وهنالك صبية سمعتها تقول لصديقتها: (لازم ما اتأخر ع الماما)..وأنا تحدثت مثلهم أيضا, افتعلت حديثا مع شاب يدرس هندسة اسمه (هاني), وأخبرته أني لا أريد التأخر, وحين سألني عن السبب أجبته بكل ثقة: (البيت بئلئوا علي ازا اتأخرت)..علما بأنني كنت أغيب عن المنزل ايام الجامعة أسابيع طويلة, ولم يصب أحد بالقلق.
المكالمة الوحيدة التي جاءت لي, أثناء مسيري هي من (أبوزكي), أخبرني بأنه يحتاج ماسورة (3 إنش) وصلة لمضخة التدفئة, وأنا بالطبع موهت الأمر..ووعدته بالعودة حال انتهائي من اجتماع مهم.
حين وصلنا (طلعة) مدرسة البكالوريا, شاهدتهم يصعدون مثل خيل جامحة..لم تكن أنفاسهم متأثرة ولا رشاقتهم..إلا أنا أحسست بنفسي مثل (تريلا) حمولتها من القمح هائلة وتحتاج (للدفش)..وصرت أقف وأفتح (هاتفي) محاولا إيهامهم, بأن أمرا قد جرى معي, كنت أريد أن أدخل أحد الشوارع الفرعية وأهرب أو أن أوقف تكسي..لم أكن أريد أن أشعرهم بأن السنوات والدخان والعمر قد صادروا عظامي وعضلاتي ولم اعد أستطع إكمال (الطلعة)..
لكنهم لاحظوا ذلك وجاءت إلي صبية, مثل عود الريحان وأجمل..سألتني عن سبب تأخري وأنا أجبتها: (خالتو سوزان تعبت شوي)..من هي سوزان؟ لا أعرف...وعدتهم أن ألحق بهم سريعا حالما أنهي مكالمتي مع (خالتو سوزان)..وهم صدقوني وغادروا.
أول تاكسي شاهدته, امتطيته على الفور وعدت..لمنزلي, ولم تهدأ مكالماتهم في اليوم الثاني, وقلت لهم أن وضع (خالتو) جيد, وتحتاج للراحة فقط، كون رحلة (دبي) كانت متعبة ولم تجد مقعدا في (الفيرست كلاس)..ويبدو أن السفر أرهقها.
انسحبت من (الجروب) ولم أعد أمارس رياضة المشي, وكانوا يرسلون لي برسائلهم و يطلبون مني العودة, وكنت أتحجج (بخالتو) سوزان, وأحيانا أقول لهم أن لدي (سيمنار) غدا..للعلم السيمنار تعلمتها متأخرا, ولكن أول حجة لغيابي كانت أن لدي (سوشي) مهم غدا..وتبين أن السوشي طعام ياباني, أنا كنت أريد أن أقول (سيمنار), لكنها خرجت معي (سوشي)..وعدلتها فيما بعد..
البدايات حين تبنى على عدم الواقعية، تبقى بدايات..ونحن وصلنا لهذه المرحلة المدمرة من الكورونا, لأننا بنينا البدايات على (توقعات).. لم تكن دقيقة.
[email protected]