عبدالهادي راجي المجالي
زمان قبل كورونا, كانت محلات بيع الورد (منتعشة) لأن الحب كان في أوجه والحياة في أوجها, وكل صباح كان لابد للبائع أن يجهز الوردات في (ضمة) جميلة ويزركشها, ويضع الملونة في الأطراف, ويضيف إليها بعض الأوراق الخضراء.. وأنا كنت كل يوم أعبر من جانبه, وأرى صبايا في أول العمر, ورجالاً في منتصف العمر.. وشيباً, الحب أصلاً لا يؤمن بعدد السنين ولا بالعمر.. الحب هو الحب.
للأسف الان كل محلات الورد تعاني, فالحظر وسوء التوريد ومنع المستشفيات إحضار الورد للمرضى والحب الذي تأجل.. كل ذلك جعل الوردات تذبل في مكانها, لم ينتبه أحد في الأردن إلى تجارة الورد التي كسدت, ولم ينتبه أحد للوردات التي ذابت.
بالمقابل في عالمنا العربي, ونتيجة الحظر.. وخوف العائلات, وإقبالها على الطعام.. حدث تطور مهم فيما يتعلق بأكوام القمامة، فقد زاد الإنتاج منها, والحاويات صارت تمتلئ بسرعة، والمكبات لم تعد تحتمل غزارة الإنتاج من القمامة.. ربما بسبب الإقبال الكبير من الناس على الأطعمة، فعملية الحظر والجلوس الطويل في المنزل، جعلت من الطعام وسيلة للتسلية أكثر منه حاجة (بيولوجية)..
كورونا دمرت تجارة الورد, لكنها بالمقابل أنتجت فائضا من (القمامة) وأتعبت الحاويات.. في عالمنا العربي وحين تغزونا المأساة، للأسف يزيد انتاج القمامة ويندحر انتاج الورد.. وفي النهاية الورد حين يذبل، يبقى عزيزا عليك.. وترفض رميه، تحتفظ به بالمقابل فالقمامة مكانها هو المحرقة.. والطمر..
نحن ننتج من الثرثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بحجم انتاجنا من القمامة.. وفي نهاية النهار يكون مصير كل تلك الثرثرات الحرق, والرمي في (مزابل) النسيان والطمر.. لكننا لم نفكر يوما واحدا في الورد.. لم نفكر في ضروراته للحب والحياة, لم نفكر في توقف سلاسل توريده, لم نفكر في أصحاب المحلات الذين أمضوا أعمارهم في مغازلة الورد وكيف جلسوا الان في منازلهم بعد أن اندحر الحب..
في عالمنا العربي كورونا زادت انتاجنا من القمامة والثرثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقل إنتاجنا من الورد.. في النهاية القمامة تنتج غاز الميثان عند طمرها، والفيس بوك هو الاخر ينتج غاز الشتيمة، وميزة غاز الميثان هي الرائحة النتنة.. بالمقابل تبقى الوردات هي مصدر كل العطور في الدنيا..
حماكم الله..