عبدالهادي راجي المجالي
كلما حدث شيء في فلسطين, كانت الأمة العربية تتداعى لجمع التبرعات, من أجل دعم صمود الشعب الفلسطيني..الان فلسطين تقاتل إسرائيل وتقاتل كورونا, لم أسمع بجمعية هبت للمساعدة ولا دولة عربية, خصصت عبر شاشاتها يوما للتبرع..ولا مهرجانات..ولا خطابات, ولا أدعية تنطلق على المنابر..لم أسمع للان بمسيرة تعلوها هتافات صاخبة, ولا بوقفة عز تنظمها نقابات طامحة.
تلك المرة الأولى التي نحتاج فيها نحن من شعب فلسطين أن يدعم صمودنا, نحتاج أن يرسلوا لنا القليل من الزعتر والشيح.. فالزعتر الذي ينبت على تراب فلسطين مختلف جدا وفيه الشفاء التام نحتاج أن يرسلوا لنا القليل من زيت الزيتون.. فهنالك الشجر مختلف وقديم, ومنغرس في الأرض التي أحبها وأحبته.. والشجر هنالك يستشهد مثل البشر, ويناضل مثلهم.. ويقاتل.
نحتاج أن ترسلوا لنا (سواليف) الأطفال الذين عبروا, من جانب قبر الشهيد عمر أبو ليلى..وكل واحد منهم, حين مر هنالك.. توترت عروق رقبته, وهو ينتظر اليوم الذي يسير فيه على درب عمر ودرب فلسطين..كل واحد منهم, علق صورة عمر على حقيبة مدرسته..وعلى ضفاف قلبه..
نحتاج أن ترسلوا لنا أيضا, صوت الهواء الذي يعبر من فوق ضريح درويش ومحمود القاسم..الهواء لا يطلق حفيفا حين يعانق شجر الزيتون الذي زرع على قبر درويش, بل ينشد: (سجل أنا عربي ورقم بطاقتي سبعون ألف..) والهواء في فلسطين, يشبه (باغة) المسدس.. مشحون بالذخيرة والشعر, وصدقوني أنه ينافس الأكف حين يشيع الشهيد إلى مثواه الأخير..فهم يقولون أن النعش كان خفيفا جدا, لاتصدقوا ذلك أبدا.. الهواء هنالك نافس الأكف وتشرف بأن حمل الجثمان إلى مثواه الأخير..
ونحتاج أن ترسلوا لنا أيضا, القليل من عنب الخليل.. العنب في الخليل حين يؤكل مع الخبز الذي تنتجه الأفران هنالك, صدقوني أنه لايؤدي للشبع..بل يؤدي لحقن الدم بهرمون جديد اسمه الشهادة والغضب.. والعنب هنالك يسجل كفصيل مقاوم وليس كفاكهة تنتجها الأرض..أي وطن هذا الذي تتدلى عناقيد العنب فيه على (الدوالي).. مثل القنابل منتظرة يوما.. يصعد فيه الناس جميعهم أسطح البيوت ويكبرون للتحرير والحياة.
تلك المرة الأولى في تاريخ العرب, والتي يتعرض فيها الشعب الفلسطيني لمحنة أخرى.. ونحن من نحتاجهم.. فلسطين أكبر من الطرود والمساعدات والخطب والمسيرات.. ومن تمثيل شعبها هنا أو هناك.. فلسطين الان نحن من يحتاجها وليس هي من تحتاجنا.
وأجزم أن الأكف الضارعات إلى الله في الأقصى, وحين تستوي تماما مع الوجه ويصعد الدعاء على سفحها.. أجزم أنها عند الله, أكبر وأعلى..من كل المنابر والخطب, من كل المؤتمرات والدعوات.. من كل أنواع الأدوية والمحاليل, من كل ما قيل وما كتب.. ومن شجب ومن لم يشجب..
على الأقل هذه الأكف تعرف, أن الله في صف شعب فلسطين, ويكفيكم الله نصيرا.
[email protected]