عبدالهادي راجي المجالي
.. حين هدم العبدلي, أتذكر أننا تحسرنا على التاريخ.. أقمنا الدنيا وأقعدناها, وكتبنا مجموعات هائلة من المقالات, عن مالية القيادة العامة.. وعن نادي ضباط الأمن العام.. وإدارة الأمن الوقائي, وأحدهم كتب.. بأن التاريخ انتهى هنا, أنا شخصيا لطمت مع (اللطامين).. وفعلت نفس الشيء, ولكن حين اكتمل مشروع (البوليفارد) تبين أن وجه عمان قد تغير تماما.
صارت الصور الجوية أجمل, والموقع تغير تماما.. أنتجنا تحفة عمرانية وتجارية هائلة, وصارت المنطقة التي كانت محظورة على الناس متنفسا لهم..
في النهاية هنالك أمر أهم من الذكريات وقصة الاعتداء على الدستور وهي: (ضرورات النظام).. أنا ضد حكومة تصريف الأعمال, وأكره المصطلح.. ولكن ضرورات النظام, تبيح له بحكم المنطق وقراءة المرحلة وما يصله من تقارير, أن ينتج تلك الحالة..
النظام له رؤية أعمق, ويرى المشهد بشكل أوسع.. والقرار لديه ليس بالعبثي, بالمقابل أخطر ما يمارس الآن في الأردن, ممن يسمون أنفسهم فقهاء القانون الدستوري, وخبراء الولاية العامة.. ومن يوظفون علي الوردي في كتاب وعاظ السلاطين لإسقاطه على المشهد وللأسف تبين أنهم لم يقرأوا الكتاب, لأن علي الوردي في هذا الكتاب فسر التغيرات الإجتماعية التي طرأت على القبيلة (قريش), مع مجيء الإسلام.. فمفهوم السلطان, ومفهوم الحكم لم يكن واضحا في زمن القبيلة.. كل هؤلاء يمارسون ما هو أخطر, من الشرخ الدستوري, عبر ممارسة الوعي على الدولة والسلطة.
لم يسمح عبد الناصر لسيد قطب أن يختطف المجتمع من الدولة, الدولة هي قائدة المجتمع.. لم يسمح أيضا لمنظري اليسار والإخوان أن يطلوا على المجتمع عبر بوابة تسخيف السلطة.. لقد كانت السلطة في عهد عبدالناصر هي مصدر الوعي..
في زمن الملك الراحل (الحسن الثاني), كان يجلس مع أئمة المغرب وعلماء الدين, ويحاججهم في مسائل فقهية, ويتفوق عليهم.. ولم يسمح لأحد أن يختطف من الدولة قيادتها للمجتمع.. وربما المجالس الرمضانية كانت شاهدة على عمق تفكير هذا الرجل, وغزارة فكره.
حتى الراحل ياسر عرفات, لم يكن يسمح لليسار الفلسطيني بكل تشعباته, بأن يختطف القيادة من (فتح) قائدة العمل الفدائي، وقائدة منظمة التحرير..
لدينا الصورة مختلفة, ففقهاء القانون الدستوري, وخبراء التشريع.. كأنما يمارسون الوعي على الدولة ويقدمون السلطة بصورة جاهلة وهذا بحد ذاته أخطر من الاعتداء على الدستور.. يقدمونها على أنها معزولة عن الناس, فاقدة للبوصلة..
أنا ضد حكومة تصريف الأعمال في ذات الوقت ضد ممارسة الوعي على السلطة وتسخيفها.. فالمشهد لدينا بحاجة لقراءة متأنية.. وليس بحاجة لبطولات يبحث عنها بعض المتقاعدين على أمل أن يعودوا للكراسي التي فقدوها.. لنفهم معنى ضرورات النظام.
[email protected]