د. محمد الحدب
لا تمر فترة بسيطة الا ونسمع عن تجاوزات إدارية ومالية وشبهات فساد في أحدى الشركات المساهمة العامة المدرجة في سوق عمّان المالي. على سبيل المثال منذ فترةطالعتنا الصحف بخبر مفاده أن هنالك قرارا مرتقبا سيصدر بالحجز التحفظي على موجودات إحدى كبريات الشركات المساهمة العامة المحدودة بسبب وجود تهرب ضريبي بقيمة 100 مليون دينار ترتبت على أعمال بيع وعقود مختلفة.
وهنا يتبادر سؤال ملح ومتجدد عن ماهية السبب الرئيسي وراء كل هذة التجاوزات؟وعلى الرغم من أن هيئة الاوراق المالية حدثت قواعد الحوكمة للشركات المساهمة العامة بما يتفق مع المبادئ الجديدة لحوكمة الشركات الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتم الزام جميع الشركات المساهمة المدرجة بتطبيق قواعد الحوكمة الجديدة اعتبارا من تاريخ 22/5/2017، الّا أن هذه التجاوزات ما زالت مستمرة.
اعتقد أن أحد الاسباب الرئيسية وراء هذة التجاوزات هو ما يعرف بتضارب المصالح Conflict of interests وذلك بسبب عدم الفصل ما بين إدارة الشركة ومالكيها. بمعنى أن هناك مساهمين لهم نسبة ملكية عالية يتحكمون في عملية صنع القرار من خلال شغل أحد المراكز المهمة في الشركة كرئيس مجلس الإدارة وبما يخدم مصالحهم لا مصالح الشركة.
هذة المشكلة ما زالت قائمة منذ زمن بعيد و تسبب الكثير من المتاعب والخسائر لصغار المساهمين، وخصوصاً عندما يتم التغول على حقوقهم من قبل كبار الملّاك من خلال مجموعة من القرارات التي لا تصب في الصالح العام. وعادة يشغر أكبر الملّاك من حيث نسبة المساهمة أو من يمثلهم منصب رئيس أو عضو في مجلس الإدارة، بينما باقي صغار المساهمين لا يكون لهم أي تمثيل يذكر داخل مجلس الإدارة.
وحسب ما هو مطبق على أرض الواقع في الأردن فأن منصب رئيس مجلس الإدارة هو الأقوى تأثير اً في عملية صنع القرار داخل الشركة مقارنة بمنصب المدير التنفيذي، لا بل رواتب ومكافآت وامتيازات رئيس مجلس الإدارة تفوق في كثير من الأحيان ما يحصل عليه المدير التنفيذي.
فكما هو معروف فأن مجلس إدارة الشركة المساهمة العامة يتم انتخابه من قبل الهيئة العامة للمساهمين ليمثلهم ولحماية مصالحهم وذلك من خلال الإشراف ومراقبة إداء الشركة وإداراتها التنفيذية، لكن ما يحدث هو العكس فمجلس الإدارة هو من يدير الشركة ويتخذ القرارات والمدير التنفيذي يقوم بدوره بالتنفيذ والإشراف على هذة القرارات. وفي كثير من الأحيان تنشأ هنالك تكتلات بين مراكز القوى داخل مجلس الإدارة مما يجعلها قوة مؤثرة في عملية اتخاذر القرارات، والتي تتفق مع مصالحها، بحيث لا يستطيع أي مدير تنفيذي مهما بلغ من النفوذ أو التأثير ان يقف أمام هذة القرارات.
ما نحتاح إليه اليوم للحد من التجاوزات في الشركات المساهمة العامة هو تشريع يصلح الخلل الهيكلي في الشركات المساهمة العامة، وبما يضمن الفصل بين الملكية والإدارة، ويعيد للمدير التنفيذي دوره الرئيسي في عملية اتخاذ القرار.