د. فيصل غرايبة
يفكر الأردنيون دوما بمستقبل بلادهم، ويطرحون سؤالا افتراضيا عن هذا المستقبل، وكأنه سيكون على غير ما درجنا عليه عبر الأجيال في هذا البلد الصامد رغم محدودية إمكانياته وتعدد الاضطرابات المحيطة.
والغريب أن هذه التساؤلات تمس مفاهيم راسخة ورمزية ثابتة، حول وطنية الهوية وجغرافية الكيان وخصائص الجوار ونموذج الانجاز إضافة إلى حجم المؤامرة الخارجية وأبعادها، وتجيب نفسها بصورة متشائمة مبالغ فيها، مما يصعب على المتفائلين المتفهمين للحاضر الأخذ بها كقناعة سائدة، ناهيك عن راسخة.
غير أننا ندرك أن حرية الانشغال بالقضايا المجتمعية والهم الوطني حرية يكفلها الدستور وتلتزم بها التشريعات، كما أن حرية التعبير عن الرأي مكفولة دستوريا وقانونيا بوضوح وصراحة، ومن حق المواطن أن يتساءل عن اجراءات الحكومة وتصرفاتها حيال تلك القضايا والمسائل، كقضايا الفساد وتقليص المديونية وإنجاز التنمية ومد الخدمات ونشر الأمن الاجتماعي، وهي التي تهم كل مواطن كما تعني كل مسؤول. ولكن التلكؤ الرسمي والتباطؤ الاجرائي حيالها يجعل المواطن ينظر باستغراب خاصة عندما تطول فترة الانتظار في سماع طرق المطرقة، دون رؤية القيام بالتصويب، مما أنفذ الصبر الجمعي المبني على تقدير الامكانيات، لتحقيق ما افصح عن التصميم على الوصول اليه.
إن اتجاهات المواطنين تجاه حكومات بلدانهم، تتحكم بها عادة عوامل نفسية تقود الى اختفاء النظرة الإيجابية إلى الحكومة وإنجازاتها، ويضمحل مع اختفائها الاصرار على العمل، وتكون نتيجتها أزمة ثقة بين الحكومة والناس، التي تمزج بين الشكوى من التقصير في الأداء، وعدم الاصغاء إلى الآراء الشعبية، وبين اهمال المطالبات الشعبية والتقصير في تلبيتها، بحجة ضعف الامكانيات المادية، من هنا يبرز التشكيك بالقدرات الحكومية وتنعدم الثقة بالمسؤولين على جميع المستويات، فيقتصر النقد وينحصر النظر على الجانب المظلم لمخرجات الاجهاد المتراكم الذي يعيشه المواطن. هذا في الوقت الذي قال فيه جلالة الملك: إن الأردنيين والأردنيات يستحقون الكثير على الحكومة، عندما دعى المسؤول–أي مسؤول- أن يفتخر بأن عمله يتمثل بخدمة الانسان الأردني.
إن المطلوب أردنيا اليوم رسميا وشعبيا، إدراك الظروف وانتقاء الخطوات التي تساعد على تطوير الأداء الوظيفي أفرادا وجماعات ومؤسسات، وتنمي في نفس الوقت المقومات الإيجابية في شخصية المواطن والمسؤول على حد سواء، وتقوي من حس العدالة والشعور بالمسؤولية، بما يزيد من الاهتمام بالمجتمع، ويستبعد الفردية والأنانية. وتمكن في الوقت ذاته من اتخاذ موقف وطني متكامل وتوفر الأجواء لمواجهة الضغوط النفسية التي يعاني منها الأفراد، والعمل على جودة نوعية هذه الحياة. ولعل الساحة الحزبية تتقدم الصفوف لتحتل الساحة الأولى والأرحب التي يمارس الشباب فيها دورهم الوطني الواجب وحقهم المشروع في مزاولة الحياة العامة لمجتمعهم، وفي التماس مع مختلف قضاياه، وكذلك في التعامل الايجابي الخلاق مع المشكلات المزمنة فيه والطارئة لديه في نفس الوقت وبمزيد من العزم.
[email protected]