د. محمد كامل القرعان
اليوم فان الدولة ماثلةٌ أمامنا بشكل أكثر قربا واكثر تمركزا ، مما تعودنا عليه في الأوضاع العادية ؛ علما بانها مرافقة لنا بكل احوالنا في المدرسة والطابور والشارع والجامعة والمدرسة والسفر والمرض .
وعلى الأرجح في السنوات المقبلة سنشهد مزيدا من التوجه نحو المركزية ، وعلى النحو الذي أثارته أزمة كورونا وكشفته وفي كل القطاعات الاقتصادية ، والرجوع بقوة إلى بعض المساحات والقطاعات التي انسحبت منها.
لقد ساهم الوضع الحالي في زيادة تمركز الدولة و اعادة الثقة بها ، ومنحها دورا اكبر المراحل المقبلة ، عبر ادواتها وحمايتها للمنظومة المجتمعية من الفقر والبطالة ورعاية الفئات الضعيفة ورعاية الاسواق . وهذه فرصةٌ لإعادة الاعتبار إليها بكل هؤلاء الأبطال والنجوم ( جيش ، اطباء ، ممرضين ) الذين يستحقون منا الاعتراف بمعروفهم.
وما فعلته (كورونا) ابطل الكثير من التصوّرات الخاطئة ، بعدما راهن البعض على موتها وانحسار دورها في كثير من المجالات وذلك نتيجة انسحابها من مساحات وقطاعات اقتصادية.
المشهد الاستثائي الحاضر بكل تفاصيله اعاد للدولة اليوم والسكان هوية جديدة، ويجيب على الأسئلة التي استغرقنا قرناً أو أكثر لنحصل على إجاباتها " الدولة ... هل هي ذلك المجهول؟
كما واثبتت الجائحة أن البديل عن عدم التسليم للدولة سيكون بالضرورة سيئا ومدمرا للجميع ، وحينما تصبح المسألة تتعلق بالحياة والموت ؛ لكن هذه الازمة جاءت لتؤكد وجود الدولة للهدف نفسه، وذلك من موقع شعور الأفراد بالخطر المحدق .
ويزداد هذا الشعور لدى الناس بالحاجة الى ممارسة الدولة دورها في هكذا ازمة ؛ لتكتسب مشروعيتها، بطريقة ناعمة أو خشنة ؛ وهذا يرجعنا الى مقولة كارل شميت " إن الدولة لا تكتسب مشروعيتها بوصفها دولة إلا إذا أثبتت أنها قادرة على تنظيم ما هو طارئ واستثنائي ".
فمقولة ان الدولة عادت، فان هذه مقولة خاطئة لانها لم تغب أصلا، ولكنها الان بصدد إعادة الانتشار بطرائق تتموضع بها من جديد في مساحات فقدتها ، وان البديل عن عدم تدخلها هو الفتك بأرواح الجميع، وتفشّي جوائح من نوع أخر.
ورأى المواطن فعلا مشاهد رجال الجيش والاجهزة الأمنية، وهم يرسمون صور بطولية في الشوارع والمدن والأحياء الشعبية، لفرض الحجْر الصحي، وعزل مدن عن اخرى وتنظيم الدور والسير، دون المساس والتمادي في تهديد الحياة الشخصية والمدنية للمواطنين.