رأينا
اتخذ الأردن بإمكانياته المحدودة قراراً بتطبيق حظر التجول لتمكين المواطنين من التزام بيوتهم، وإنهاء ظواهر المخالطة غير الضرورية، واجتهدت الدولة بمختلف أجهزتها لتغطية حالة الانقطاع عن العمل والآثار الاقتصادية بمجموعة من التدابير التي تتناسب مع الإمكانيات الموجودة، ومنها تفعيل أمر الدفاع، وكان التعويل على الأردنيين ووعيهم وطريقتهم في التعامل مع التحدي الذي فرضته ظروف مواجهة لعدو خفي لا نمتلك تفاصيل كثيرة حوله، وأمام محاولة الدولة للتخفيف من فرص التخالط أتت فكرة توزيع المواد الأساسية من خلال الباصات لتجد مجموعة من الصعوبات في تنفيذها، وبعضها سلوكي يتعلق بالمواطنين أنفسهم، ليقرع ناقوس خطر كبير ويدوي في أروقة الدولة والمجتمع.
تدخل الدولة الأردنية حرباً شاملة لتبقى تحت معدلات الخطر، وتبقي الوباء قابلاً للاحتواء، وهذه الرؤية قادت الجهود الوطنية حرصت على تخفيض عدد المصابين إلى الحد الأدنى الممكن، وتجنب الوصول إلى عتبة الآلاف في أعداد المصابين، والعشرات من الوفيات في الحد الأدنى، وكان الشرط الاجتماعي الذي تسعى الدولة لتحقيقه يتمثل في ثقافة التباعد الاجتماعي، فالفيروس يجد أرضاً خصبة في التقارب بين الناس ليقفز من جسد إلى آخر، ويصبح المواطنون وخاصة ممن يمتلكون جهازاً مناعياً قوياً يجعلهم لا يشعرون بأعراض الإصابة وكلاء لنقل المرض لمواطنين آخرين أقل حصانة تجاه المرض وأعراضه.
الخط غير المرئي الذي نحارب من أجله يتمثل في القدرة الاستيعابية لأجهزتنا الطبية، ولآليات الحجر الصحي للمخالطين للحالات المصابة، ودون الحظر الذي جرى تطبيقه كانت الأعداد مرشحة لتقفز إلى المئات وربما الآلاف، وظواهر التدافع التي حدثت يمكن أن تعيد الجميع إلى نقطة الصفر وتجعل كل الجهود التي مضت وتكلفتها هباء منثوراً، وتطيل أمد الإجراءات المتشددة في تطبيق الحظر، وتصعيد الإجراءات الأخرى، وهو ما لا يتمناه أحد في الأردن، والأجهزة الرسمية تتطلع بتلهف يفوق المواطنين إلى تخطي هذه الغمة والعودة إلى استئناف الحياة الطبيعية، والجميع محكومون بأعداد الإصابات والتي ما تزال إلى اليوم تتزايد بمتتالية حسابية، والتخوف أن تفلت الأمور ويتفشى الوباء لنجده يتضاعف يوماً بعد يوم.
التباعد الاجتماعي يكاد يصبح ضرورة وطنية اليوم، ونشر التوعية بضرورته واجب على المجتمع ككل، وتدخل الدولة لفرضه قسرياً هو أحد الخيارات المتاحة، ومع ذلك تجري محاولات لاحتواء هذه الحالة من الهلع التي تنتشر بين المواطنين، وعلى كل مواطن أن يتفهم أن عليه دوراً لا يمكن تفويضه لأي أحد، وهو أن يحتفظ بمسافة كافية بينه وبين الآخرين، وأن يطبق اجراءات العناية اللازمة، وبغير ذلك ستمتد الأزمة لأن الدولة غير مستعدة لأن تفرط في مسؤولياتها لتترك الخطر يتجول بين الأردنيين وتأخذ موقع المتفرج، فتباعدوا يرحمنا ويرحكم الله.