د. محمد كامل القرعان
حرصت الدولة الاردنية منذ عهدها الأول، على التأكيد مرارًا وتكرارًا على شغفها بإعلام وطن، إعلام متعدد الاتجاهات، وبحجم الأردن، ورسالة الثورة العربية الكبرى، يراعي الفضاء المفتوح، والنوافذ المتداخلة.
وحيث احتل ملف الإعلام الرسمي أولويات القوائم الحكومية المتعاقبة، وفي مقدمتها أولويات جلالة الملك عبد الله الثاني، لأن يمتلك الأردن إعلامًا كهذا.
وكان جلالته يوجه برغبته في صياغة إطار وطني للإعلام بصورة تضاهي العالمية، ومغادرة مواطن ضعفه لمواقع تحاكي مواجع الدولة، وتنهض بمقومات البلد، ليعزز بالتالي اشتباكه الايجابي مع الجهود التي تبذل من أجل التنمية المنشودة.
كما وتتطلع الدولة الى ان يكون هناك اعلام يتناهى واحلام الاردنيين ويعبر عن استشرافهم للمستقبل ويتواكب مع ايمان جلالة الملك بالدور الكبير لهذا السلاح الذي من الممكن أن يكون أداة قوية لإصلاح الأمم والإطاحة ببؤر الفساد. وإن كان في الوقت ذاته، يمكن للإعلام أن يكون معول هدم حال تحول إلى بوق احادي الاتجاه وإلى قبلة غير قابلة للنقد ومسرح للتناحر والتهميش والاحباط.
عمليات متلاحقة نفذتها الدولة على مدار السنوات الماضية، تمحورت حول تشكيل الخريطة الإعلامية، وفق ما يتناسب وأهداف الدولة الاردنية، وثوابتها ورؤيتها المستقبلية، وما هي مالية وهيكلة الإعلام بالصورة التي تنقل، وهو الأمر الذي أدى في النهاية إلى حدوث العديد من موجات الاقتراحات، ومحاولات التغيير، ما بين غلق وهيلكة ودمج، وضخ دماء جديدة، وصولاً إلى الصورة المثلى وإعادة الاعتبار الصحيح.
وفي الآونة الأخيرة، يبدو أن موجة أخرى من إعادة الهيكلة ستفرض نفسها على منظومة الإعلام الرسمي، ربما تغير شكله بصورة كبيرة، إذ إن المرحلة الحاليّة التي تراجع فيه إعلام الدولة أمام منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الداخلية الخاصة ووسائل الإعلام الخارجية، تتطلب استراتيجيات جديدة للتكيّف مع المستجدات الأخيرة والحزبية ومقاومة الاشاعة وانتشارها، فما ملامح هذه الاستراتيجية ؟
وعلى طول الخط كانت العلاقة بين الدولة الإعلام ما بين شد وجذب وأحيانا المجاملة، رغم محاولات وجهود القائمين على تلك المنظومة لإرضاء حكومات وأشخاص بعينهم، وتجنب الصدام مع بعض المواقع الحساسة في الدولة او في القطاع الخاص أو استفزازهم.
في العامين الماضي والحالي، وجهت الدولة رسائل متعددة وفي اكثر من مناسبة لمنظومة الإعلام الرسمي للحاق بالركب، لكن كانت النتيجة لا حياة لمن تنادي.
وكان هناك نقاط سوداء في مسيرة الإعلام من خلال تطاول وتهكم على المعالجة الإعلامية للكثير من القضايا واحدثها (كورونا)، وترك مساحة فراغ كبيرة للآخر، و في ظل نجاح الاخر، بركوب الموجة وتداولها وتراشقها والسيطرة على محرك الكلمة فيها كما حصل في أحداث فاجعة البحر الميت وفي غرق وسط البلد من الأمطار وفي الركبان وغيرها من وقائع، رسمت صورة ضبابية للإعلام الرسمي، وضعف تقاطعه مع الأحداث الحساسة والسياسية، والرسالة الي تتنفس من تحت الماء، وغرقها في متاهات، لكن الحل في معالجة الأمور يتطلب رؤية وارادة وقرار لتوفير الغطاء التشريعي والتحرير لهذه المؤسسات وهامش من الحرية والالتزام والمسؤولية الذاتية.