د. محمد كامل القرعان
امتلاك نهج الحكم لإدارة مفاتيح الدولة ليس بالأمر اليسير، ولكن عند الانظمة العميقة تدار بحكمة وبخبرة تتميز في التاريخية السياسية، هناك من الامثلة الكثيرة على فشل أنظمة في تسيير دفة الحكم بحنكة وبعلوم تتعلق بذات الإدارة، والدولة الاردنية تم ادارة مؤسساتها بنظرية تختلف بالشيء العظيم عن نظيراتها في العالم، إذ تأسست الدولة الاردنية بتوافق عشائري وتأييد شعبي انحاز لقضيته في التحرر وتحقيق السيادة على الارض، فسارت الارادة الشعبية الى رغبتها في بسط نفوذها على أرضها.
وتجلت تلك الارادة في التلاقي مع قيادة عربية إسلامية لها شرعية تاريخية ودينية، وامتازت هذه الشرعية للهاشميين منذ فجر الامة، بإخلاصها لامتها والفزعة لحقوق مواطنيها، فتجسدت بتلك الميزات حرية الاختيار واقامة دولة أردنية عميقة بنفس أبنائها، وبحيث صيغ الدستور بناء على الواقعية وانطلق بمواده من احتياجات الشعب وتطلعاتهم، فكان هذا سببا بما استطاع الأردن تحقيقه لابنائه من استقرار دستوري وسياسي وثقافي واجتماعي بحيث صيغ من دمجه لهذه المكونات.
اللغز الذي بهت به المحللون برهانهم على عدم استمرارية الدولة الاردنية وبقائها باء بالفشل الذريع، ومنهم من راهن على عدم قدرة مقاومة الدولة على مواجهة التحديات والحروب والأزمات جميعها، وجميع التوقعات خابت وهذا من الدلائل الأكيدة والصريحة في كيفية إدارة الدولة، بتصَورات فاقت توقعاتهم، خاصة وان الأردن عبر تاسيسه خاض حروبا وواجه ازمات وتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، وتمكن من تحمل العديد من الهجرات ابتداء من هجرة 1948 وحرب حزيران 1967 وحرب الخليج الأولى 1993 واحتلال وغزو العراق 2003، والأمة السورية وتدفق ملايين الأشقاء العرب إلى عرين الهاشميين والاردنيين، واستطاع بادارة الحكم الرشيد استيعاب كل هذه القضايا والتعامل معها بكل اقتدار وكفاءة وما فرضته على الاردن من تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية وغيرها، فأكيد مثل هذه الامثلة خير دليل على عمق الدولة الاردنية وصلابة ثوابتها.ا