د. صلاح جرّار
من مؤشرات النزاهة في إدارة أيّ مؤسسة أن يلجأ المسؤول الأوّل في المؤسسة عند شغور وظيفة ما سواء بالاستقالة أو بالتقاعد أو بالوفاة أو بغير ذلك، أن يضع شروطاً لمن يحلّ محلّه. غير أنّ سياسة وضع الشروط أو المقاييس أو المعايير لا يجوز أن تكون عشوائية أو وفق مزاج المسؤول أو من ينسّب له بتلك الشروط، فلا بدّ أن تكون هذه الشروط أو المعايير مرتبطة أشدّ الارتباط بالهدف الذي استحدثت من أجله هذه الوظيفة أو المنصب أصلاً، وأن يسعى المسؤول من خلال هذه الشروط إلى إصلاح ما أخفقت في تحقيقه الشروط القديمة المعمول بها من قبل، وأن يسعى كذلك إلى تحسين الأداء ومضاعفة الإنتاج في مؤسسته، ولا بدّ أن يكون مقنعاً للآخرين وهو يعلن هذه الشروط ويوضّح الهدف المرجوّ من كلّ واحدٍ منها.
وليس من الصعب على النبهاء أن يميّزوا بين الشروط التي يقصد المسؤول من وضعها تحقيق مصلحة المؤسسة التي يديرها والشروط التي ينطلق فيها من هواه ويقصد من خلالها تحقيق مصلحة أو مصالح شخصية أو الوصول إلى مآرب تنفيعية يتجاوز فيها القوانين والتشريعات السارية.
فإذا اشترط المسؤول في المرشّح الذي يتقدّم للوظيفة الشاغرة أن لا يقلّ عمره عن سبعة وعشرين عاماً، على سبيل المثال، فمن الواضح أن مثل هذا الشرط يهدف من ضمن ما يهدف إليه استبعاد شخص عمره ستّ وعشرون سنة ومؤهّل للتقدم لهذه الوظيفة كي يصبح الشاغر متاحاً لشخصٍ آخر له صلة قرابة أو صداقة أو منفعة بالمسؤول، وكذلك إذا اشترط هذا المسؤول الفصيح أن لا يزيد عمر المتقدم للوظيفة عن خمسة وستّين عاماً، فمن الواضح أنّ ثمّة شبهة في كون هذا المسؤول يريد أن لا يدخل شخصٌ معروف لديه يبلغ من العمر ستة وستين عاماً المنافسة لهذه الوظيفة.
ولا يستبعد إن تمّت المصادقة على شرط كهذا – على سبيل المثال – أن يعلن ذلك المسؤول وفي معايير وظيفة أخرى عن شرط متوسط الوزن ومتوسط الطول ولون العينيين ونسبة الدهون الثلاثية في دم المتقدم للوظيفة، وربما لاحقاً في أي مسجد يصلّي عادة صلاة الجمعة ومن أيّ دكان يشتري أغراضه المنزليّة.
إن لكلّ شيء أصولاً وقواعد لا بدّ من الالتزام بها ولا بدّ من إقناع الناس والأشخاص المعنيين أيضاً بفائدتها وجدواها، ومن أهمّها وجود شروط ومعايير لمن تسند إليه أي مهمّة على أن تكون هذه الشروط والمعايير مسوّغة ومقنعة ومنطقية وذات نفعٍ للمؤسّسة قبل كلّ شيء.
[email protected]