د. فيصل غرايبة
تزايد اللجوء الى الاعتصام أو الاضراب كلغة للتعبير عن المشاعر وصيغة للإعلان عن المطالب وكوسيلة للابلاغ عن مظلمة في العاصمة الحبيبة عمان وسواها من مدن المملكة العامرة، وينظر الناس إلى كل حالة اعتصام أو تظاهر عادة، سواء في عالمنا العربي أو في غيره، على إنها حالة تعبير شعبي مشروع، ولربما يقتصر على فئة معينة او صاحب مهنة معينة، تحمل رسالة مفتوحة إلى اصحاب القرار، مهما كان أسلوبهم في الادارة أو طريقتهم في التعامل مع ذوي العلاقة. ويسر الناس عادة عندما يتلقون بشرى الاستجابة للمطالب، وخاصة إذا كانت ما حققته كبيرا، يزيل ظروفا أو يلغي قرارا أو يعدل تشريعا، ثبت للرأي العام والناس عموما بأنها قرارات ظالمة أو بنود تشريعية قاسية أو ذات اعباء مالية اضافية.
ويسأل الناس أنفسهم في بعض الحالات عن الدوافع التي دفعت إلى ذلك الاعتصام، ويتهامسون أحيانا أو يجاهرون، عن الأيدي الخفية التي تمتد عبر الحدود - حدود المؤسسة او حدود المدينة او حتى حدود البلاد - أو النوايا الخبيثة التي تنسل إلى النفوس الضعيفة. ويظن كثير في مثل هذه الحالات أن ما يهمس به أو ينشغل الذهن حوله، ما هو إلا محض افتراء تقصد به الجهة المعنية، تحويل الانتباه عن الموضوع الأساسي واستبداله بما هو أخطر على المجتمع. وقياسا على تجارب سابقة ومحاولات فاشلة يصبح الأمر مكشوفا في معظم الحالات، اذ يتبين زيف الادعاء بمشروعية الاعتصام ويتجلى التآمر على أمن بلد ما، من خلال ذلك الاعتصام أو الانجرار إلى التظاهر، فيفعلها الدهماء دون إدراك للخلفية المتوارية، أو يندس بها المغرضون دون إظهار حقيقة النوايا المختبئة خلف الشاشة البراقة، التي تخطف الأبصار وتعطل الأذهان وتشوش التفكير.
قد يجد هؤلاء المعتصمون حجة أو حججا قوية لعمليتهم المؤيدة شعبيا، وقد يطالبون بمطالب معقولة ومحقة تجد صدى لها لدى ناشطي حقوق الإنسان، وهم يجدون في عمق المشهد ممارسات في الانفاق مبالغ فيها على امور لا تمثل المصلحة العامة ولا تلبي خدمة للمواطن، كما يلاحظون تجاوزات جائرة وعدم اكتراث بتطبيق قواعد العدالة والمساواة والانصاف. ربما يكون وراء أكمة الاعتصام ما وراءها، فثمة دوافع أخرى ومخططات موضوعة للانقضاض على ما هو مشروع وعلى ما هو موجود، لا يقل خطرا على ما يخطط له أعداء البلاد ولا يقل ضررا مما يقصده المتواطئون مع الطامعين.
ان الطرح اللئيم يعطي صورة بهية للمواطن البسيط وينتج حبكة حاذقة تروق للجيل البريء، وربما لا تتبين الحقيقة ولا تنكشف النوايا إلا بعد حين، ويتداول الناس وخاصة النخبة من بينهم مفاهيم وتعابير تصف ما حدث أو ما يمكن أن يحدث، ويكون وقعها أشد إيلاما على القلوب وأكثر أسى في النفوس، علاوة على خطرها على الأوطان وضررها عبر الأجيال.