د. فيصل غرايبة
سعد المواطن الأردني عندما وجد الأجواء مناسبة لانبثاق أحزاب تتناول القضايا الوطنية، وتكون ساحة للحوار بين الجميع ولخدمة الوطن والمجموع. ولكن هذا المواطن المتابع يتطلع الى ذاك المشهد بحماس حذر، ان لم يكن بتفاؤل موشح بتشاؤم، فالأردني يؤمن بأن بلاده، جزء من الأرض التي بارك الله حولها، تتوسط الطريق الواصل بين مهد الرسالة ومسرى الرسول، كما ظل يؤمن بأن بلاده جزء من الأمة العربية، ويحتل بموقعه قلب وطنه، مثلما يشغل حضن ثورة العرب الأولى، ويتمسك بأهدافها القومية، يتذكر تجربته ويحمد الله بأنه قد خرج منها معافى وقد حافظ على بلاده سليمة اللحمة نقية السدى، لا ينالها تفتيت، ولا يتناوشها تمزق، تلفظ أي تخريب ضدها، وترفض أي تنظيم يفسد عليها ألفتها الاجتماعية. يتذكر ذلك وهو ينظر الى تجارب الاشقاء، ذات التقدم وذات الرجعية، ذات المحافظة وذات الانطلاق، ذات الأصالة وذات التجديد.
يتذكر الأردن ذلك، وهو يؤكد أن مشاريعه في التحزب، لن تكون تكرارا لصور الماضي، بنجاحه القليل وفشله الكثير، ولا اعادة لعقارب الساعة بالاتجاه المعاكس، الذي يعيد الحياة الى عصر طالما منينا النفس بالخروج منه بسلام، اذ يؤمن بان الاحزاب هي وسيلتنا لبناء منابر للفكر الحر المستنير، أو لمن يحب أن يستنير، وإنها وسيلتنا للتعبئة الشعبية، وفق منهج متكامل وخطوات متتابعة، تقودنا الى تحقيق أهدافنا بالمشاركة والتراضي والاقتناع، كما ان المواطن ليؤمن بأن الاحزاب أقنية تلتقي عند مصلحة البلاد، أو رافد تغذي مسيرة البلاد، وقد أعد جيلا أكثر احساسا بالمسؤولية الوطنية، وأكثر قدرة على العمل الجماعي.
ونحن اذا أردنا من الأحزاب أن تكون مرآة الأردن، لا نطلب منها أن تكون قصيرة النظر محدودة الأفق، ولا هياكل قطرية عاجزة، وإلا صارت صورا مزينة لعشائرية أو لعزوة او لمحسوبية، وإنما نريدها أن تدرك دور الأردن وموقعه ومكانته في الجغرافيا العربية والتاريخ العربي والسياسة العربية، فهذه أرض التقاء الحضارات، التي شهدتها المنطقة، وهذه نقطة التقاء الثوار العرب من أجل التحرر والوحدة، وهي التي ما زالت الرقم الصعب، في محاولات التصفية، للقضية العربية الواحدة، وهذه البلاد تدرك بأنه لا تنمية قطرية محدودة المجال، في عالم يتزاحم فيه الكبار بالقوة والأقوياء بالقدرة، وأن لا تنمية في أي قطر عربي إلا بالتكامل، لا بل بالتنمية العربية الأكثر شمولا.
هذه هي مدركات الأردن أصلا، وهذه قناعات الأردنيين أساسا، ولكن هذه المدركات وهذه القناعات، لا تبرر لنا أن نشرد بأذهاننا عن الهم الأردني، ولا تسمح لنا ان نلهو بأفكارنا عن التحدي الأردني، هذا التحدي الذي يتطلب من الأردن، أن يكون رقعة حية نابضة قادرة على تنظيم وظائفها من داخلها، وعلى تنامي حيويتها من ذاتها.
[email protected]