قضية المعلمين، وضعاً وأداءً، قضية قديمة جديدة.
وبروزها على السطح مؤخراً، من خلال التظاهرات والأحداث المؤسفة التي تمت الخميس الماضي في عمان وعدد من المحافظات، دليل على أنها ما زالت بحاجة إلى معالجة ناجحة ناجعة.
الكل يعلم أن مهنة التعليم تعرضت لانتكاسة كبيرة، أطاحت بمكانة المعلم العلمية والاجتماعية والمادية. كانت المهنة لغاية منتصف السبعينيات من القرن الماضي جاذبة ومجزية من جانب، وناجحة ومتميزة في نتاجاتها ومخرجاتها من جانب آخر.
وبالفعل «كاد المعلم أن يكون رسولاً».
لكن بدءاً من نهاية السبعينيات من القرن الماضي، خبا بريق المهنة، فصارت غير جاذبة للكفاءات بسبب بروز قطاعات أخرى أكثر منافسة واستقطاباً لخريجي الجامعات المتميزين، مثل قطاع الأعمال داخلياً والعديد من القطاعات المجزية في الدول المجاورة.
لا بل إن المهنة، بسبب المتغيرات هذه وغيرها، فقدت العديد من المعلمين والمديرين والمشرفين من ذوي الخبرة والكفاءة، الذين هجروها إلى قطاعات أخرى.
تدهورت المهنة، وتراجعت مكانة المعلم، وقلّ الإقبال على التعليم، وانخفض مستوى الإداء.
محاولات عدة، عبر السنوات الماضية، بُذلت لإصلاح التعليم وتطويره، وتحسين ظروف المعلم وتجويد أدائه.
لكن تلك المحاولات، وإن كانت أعطت بعض النتائج، فإنها لم تفلح في إحداث الأثر المرجو.
ودون الدخول في تفاصيل أخرى كثيرة ومعقدة، فالأمر ليس بالبساطة واليسر اللذين يظنهما البعض، نقول: إن النهوض بالمهنة لا يمكن أن يتم إلا بمعالجة العديد من الجوانب معاً، منها جانبان يتعلقان بالمعلم.
الأول، ويتمثل في وضع المعلم. الكلّ متّفق على أن وضع المعلم، راتباً وإمكانات ومكانة، غير مُرضٍ على الإطلاق. ومن هنا نقول بوضوح وبلا تردد: لا بد من زيادة راتب المعلم وحوافزه والميزات الأخرى المرتبطة بوضعه الوظيفي، بحيث يتمتع المعلم بالرضا الوظيفي الذي من شأنه رفع مكانة المهنة من ناحية وجذب الكفاءات المتميزة لها من جانب آخر.
الثاني، ويتجسد في الارتقاء بدور المعلم وتجويد أدائه، بحيث يحصل المتعلم على النتائج المرجوة، وبحيث نعيد للتعليم الحكومي المصداقية والألق اللذين كان يتمتع بهما في الحقب المذكورة أعلاه، وبحيث يتوقف الآباء والأمهات عن إرسال أبنائهم وبناتهم إلى العديد من المدارس الخاصة التي تبتلع دخولهم وتُفقِرهُم.
لا بد للمعنيين بالأمر، حكومة ووزارة ونقابة ومعلمين ووسطاء خير، من النظر لموضوع المعلم المطروح حالياً من هاتين الزاويتن معاً حتى يتحقق المرجو: هنالك مطالب للمعلم المثقل المرهق، مشروعة ومهمة تتمثل في زيادة راتبه وعلاواته وحوافزه وميزات وظيفته؛ وكلنّا نطالب له بها بقوة ونقف معه في السعي لنيلها.
لكن هنالك أيضاً وفي ذات الوقت توقعات ومطالب لأولياء أمور الطلبة، بمن في ذلك أولياء الأمور المرهقون المتعبون الذين اضطروا لإرسال أبنائهم وبناتهم للمدارس باهظة الثمن بانتظار تحسّن الإداء والبيئة في المدارس الحكومية.
هنالك حقوق؛ وهنالك واجبات.
كيف يمكن تحقيق ذلك؟
بالحوار والعقل والمنطق من جميع الأطراف المعنية، والخطط المدروسة واستشارة الخبراء، لا بالعاطفة أو التشنّج أو التّمترس خلف مواقف متشددة.