د. فيصل غرايبة
لاقت الدراسات الأمبيريقية (التجريبية التطبيقية) قبولا لدى كثير من المشتغلين بعلم الاجتماع في الوطن العربي، بعد أن وجد علماء الاجتماع أن الموضوعية في علم الاجتماع صعبة للغاية، وأنه من الاستحالة أن تأتي نتائج الابحاث في هذا العلم مطابقة لنتائج الرياضيات والعلوم الطبيعية، كما تمنى ذلك أوغست كونت رائد علم الاجتماع، وبعد أن وضع ابن خلدون أصول علم العمران البشري والذي كان النواة الأولى لعلم الاجتماع. اذ أن الدراسات التطبيقية لا تتطلب توفر ثقافة اليقين في علم الأجتماع العربي وفي الخيال السوسيولوجي، وحين يعمد الباحث الى اتباع الأسلوب النظري الوصفي، فأنما لاعتقاده بان هذا الموقف يساهم في اثراء التحليل والتفكير، طالما أن الظاهرة المبحوثة ليست عصية على التفسير المنطقي. كما أن الباحث لا يميل للادعاء بان نتائج بحثه هي نهاية المطاف.
ندوات كثيرة قد عقدت حول مشكلات المجتمع العربي ومعالجتها، ولكن لم نلمس تحقيقها لقفزة نوعية بميادين التصدي لمشكلات المجتمع من خلال البحث العلمي دفعة واحدة، حتى في أرقى الدول واكثرها تقدما علميا، ونحن كعاملين في هذا المجال العلمي الاجتماعي لا نملك القدرة الفاعلة لاحداث التحول المنشود، كما أننا لا نملك أن نغلق الأبواب أمام افرازات الحياة المعاصرة، وأنما نصبو الى التعامل معها بتبصير لمزاياها ومثالبها.
ان الجهات المعنية ذات العلاقة والمكلفين بالأعمال البحثية، لا يفتأون في مناسبات كثيرة، يؤكدون على اهمية البحث العلمي في التصدي لمشكلاتنا المعاصرة، الا أن الأمر لا يتعدى كونه مظهرا يخفي وراءه خوفنا من الحقائق، تلك التي قد يضعها البحث العلمي على السطح، واذا أضفنا الى ذلك غياب أسلوب التفكير العلمي لدى طلبتنا عندما يدفعون الى استظهار المعلومات دون تفعيل العقل، وتفرض عليهم ظاهرة اليقين، مما يقودهم في النهاية الى الضياع، بينما كان من الأفضل ان نعزز لديهم ظاهرة الشك، لكي ينتهي الأمر بهم الى اليقين المنشود، وذلك على خلاف المحاولات الساذجة والفجة في تبسيط وتفسير ما يجري داخل المجتمع، خاصة ما نراه على الشاشات الفضائيات العربية، التي يتحدث فيها العديد من المتكلمين، بالكثير من الكلام، دون أن تحاسبهم ضمائرهم على ما يقولون من أفكار.
من هنا أصبحت الحاجة ملحة لاعادة تهيئة المجتمع في مختلف اقطار وطننا العربي، لاستيعاب الحقائق العلمية، وعدم اتخاذ موقف مبدئي لرفضها. وهذا يتطلب التصدي للغوغائية في الشارع العربي وعلى المستويات كافة. فان المجتمع السليم القابل للتطور الحضاري، هو الذي يحيا فيه العلم، وتسوده حرية التفكير والبحث، دون اللجوء الى اخفاء الحقائق. لقد أصبح العلم، كمنهج وكنشاط اجتماعي، بمثابة المحرك الذي لا بد منه، في معركة التصدي للمشكلات الاجتماعية المتفاقمة، وفي مقدمتها مشكلات: الانحراف والعنف والتفكك والطبقية والرشوة والفساد والأرهاب.