د. فيصل غرايبة
إن الأرض التي وهبها الله جلت قدرته، للإنسان لكي يعيش عليها وفقا لإبداعاته وتبعا لجهوده، ويستفيد من إمكانياتها التي لا حدود لها، تسخر من جديد إليه، بطريقة لم يألفها من قبل، وتشكل اكتشافا جديدا بالنسبة له، كما في جسم الإنسان الذي تتجدد خلاياه التي تعيد تأهيل جسمه، ليصبح أكثر قدرة على العيش والتكيف والمواءمة، مع ذاته ومع الآخرين ومع الحياة، لهذا يكون الإنسان في حالة بحث دائم عن التقدم. فالإنسان، أي إنسان، يحتاج إلى التحديث في حياته، وإدخال عناصر جديدة إلى هذه الحياة، وعدم الركون إلى ما هو قديم، بل ويرفض الإنسان أن يبقى على قديمه، حتى ولو كان راضيا عنه، أو مرتاحا للتعايش معه، وكذلك المجتمع الذي يحاول باستمرار لكي ينتقل من حال إلى أفضل منه، يتماشى مع المستجدات، ويحاكي العصرية، وذلك لكي يتجنب التكلس والعجز والانكماش.
هذا الجهد تحقيق قفزة نوعية في ميادين التصدي لمشكلات المجتمع من خلال البحث العلمي الذي يركز على إزالة الرواسب الفكرية والاجتماعية، والتخلي عن العادات والتقاليد التي ثبت بطلانها، أو تبين أنها تعوق التقدم وبقاؤها لم يعد مفيدا ولا مقبولا، وذلك مما يمهد لإحلال قيم وعادات وإرساء تقاليد صالحة للحياة الراهنة، وقادرة على تحريك الناس ومد مجتمعهم بالحيوية، التي يحافظ بها على التجدد والتقدم وفقا لنمو متوازن، قادر على مواجهة التحديات، وبذلك يعيد المجتمع بناء نفسه وعلاقات الناس فيه، بمواصفات جديدة تناسب التغيرات الجديدة، لا بالتخلي عن القيم أو التمرد على التقاليد، وإنما بالتحرر من السالب منها وما لم يعد صالحا أو مناسبا.
إن التحديث المنشود يزيد من قوة المجتمع على حماية كيانه، كمثل عملية التقليم للأشجار التي تمكنها من التجدد والحيوية واستمرار الإثمار وتعززه، فالتحديث يزيد من حيوية نسيج المجتمع، التي يقاوم من خلالها الآثار الضارة للتغير الاجتماعي، عندما يعطيه التحديث القوة للتكيف مع المستجدات، فإذا لم يدخل التحديث على المجتمع، فانه سوف يعاني من الإعاقة في بنيته، وسيتهاوى أمام المتغيرات السلبية، ويواجه المجهول الذي لم يحسب له حسابا من قبل ولم يعد له العدة.
إن الفرق بين المجتمع الساعي إلى التجدد والتطور، والمجتمع الساكن المتبلد الذي لا ينظر إلى حياة أفضل، هو كالفرق بين النهر الجاري والمتدفق والمستنقع الآسن الذي لا يتحرك. وفي تشبيه آخر إن المجتمع الذي تثقل خطاه نحو الأفضل كالإنسان المريض الذي أقعده مرضه عن الحركة النشطة المرنة، إن الفرق ظاهر بين حال هذا المجتمع الذي لا حراك فيه، وذاك المجتمع الذي وظف الإمكانيات وسخر الطاقات وكيف الأوضاع، لإرادة التغيير والتجديد الكامنة في نفوس أبنائه، أي رفض أن يكون شيئا كباقي الأشياء، وأكد في ذاته الإرادة والإبداع والروح الوثابة المجددة.
[email protected]