د. فيصل غرايبة
خرجنا للتو من افياء شهر رمضان المتميز من بين شهور العام جميعها، هذا التميز الذي لا يتمثل بالامتناع عن الأكل والشرب من طلوع الشمس وحتى غروبها، ولا في المحافظة على الصلاة في أوقاتها على نحو لم يكن من قبل، ولا في الذهاب لصلاة القيام في المساجد الكبيرة والمشهورة، كما لا يتمثل باقامة الولائم للوجهاء والمسؤولين، عدا عن ذوي الارحام والقربى.
فهل مازلنا ملتزمين بما اتت عليه الأحاديث من على منابر المساجد وعبرالمحطات التلفزيونية والاذاعية والصحافة والمواقع الالكترونية التي أوضحت رسالة الايمان والهدف الأبعد للصيام، بما تنطوي عليه من ممارسات تستمد من روحانيات رمضان، بأن تصدر تصرفاتنا عن حلم وأناة، لا عن نزق وعصبية، وعدم احتمال تصرفات الآخر، وان تقوم على التواد والتسامح لا على المواجهة وعدم التغاضي عن الهفوات، كما يقتضي أن تكون السلوكيات عليه من ايجابية وتقوم عليه المبادرة من انسانية.
واذا كانت النفحة الايمانية لرمضان تقتضي من المقتدرين ان يبادروا الى اطعام الفقراء ومد يد العون المادي للمعوزين والمأكل والملبس، وعن طريق الزكاة والصدقة والهدية، مثلما ان رمضان ينطوي في معناه على احترام الوقت.
فهل سنلاحظ رسوخ هذه المواقف الإيجابية والتصرفات السليمة والمشاهد المريحة في حياتنا بعد رمضان وطوال الايام؟ وهل سنشهد تطورا نحو الأفضل وتجديداً نحو الأصوب وتغييرا نحو الأسمى؟ وهل نراقب انفسنا أفراداً وجماعات ومجتمعات صغيرة وكبيرة؟ في اننا قد قومنا سلوكنا وفقا لما اعطانا اياه رمضان الكريم الفضيل من دروس في الاستقامة والفضيلة والعطاء؟
ومن المفيد أن نذكر في هذا المقام أن المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية قد اعتبرت أن المبادئ القائمة على الكتاب والسنة أفضل السبل للوقاية والعلاج من الاضطرابات النفسية والعاطفية، وطالبت الأطباء النفسيين المسلمين والأخصائيين بدمج القيم والمبادئ الأخلاقية الإسلامية في الأساليب الفنية للعلاج النفسي الاجتماعي، ورأت المنظمة أن الإدراك العاطفي للطفل يتأثر بنوع العلاقة الأسرية السائدة في المنزل، خاصة أن الوالدين يقومان بدور المحب العطوف والنموذج الراقي، مع تنمية الشعور بالجدارة والكرامة لدى الأبناء، وبينت هذه المنظمة أن الصحة النفسية الاجتماعية تتحقق بقوة الصلة بالله، والثبات والتوازن الانفعالي، فالإيمان بالله يشيع في القلب الطمأنينة والثبات والاتزان، ويقي من القلق والخوف والاضطراب، وكذلك الصبر عند الشدائد، والمرونة في مواجهة الواقع، والتفاؤل وعدم اليأس، الى جانب توافق الإنسان مع نفسه، وهو يحمل رصيدا من الأسس النفسية، التي تمكنه من التحكم بنزعاته وغرائزه، وتوافقه مع الآخرين، بناء على التسامح والمودة والعفو. إن سوء التكيف الاجتماعي ينجم عن التناقض بين قوى الخير والشر، وبين الغرائز والمحرمات، وفي هذا السياق ينمو الشعور بالذنب والخطأ، الذي كثيرا ما يتسبب في القلق والعدوان واضطراب السلوك.
[email protected]