د. هزاع عبد العزيز المجالي
تعتبر المفاوضات من أهم الأمور التي نقوم بها في حياتنا الخاصة والعملية، سواء كان ذلك في علاقاتنا الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية. وهي المرحلة التمهيدية للدخول في اتفاق مع الآخرين. ويمكننا تعريف المفاوضات بأنها مرحلة الحوار بين الأطراف التي تسبق دخول الدول في المعاهدات الدولية، وبالعادة تختلف طبيعة وشكل المفاوضات باختلاف الموضوع المراد الاتفاق عليه. فالتفاوض في النزاعات الحدودية والإقليمية، يعتبر أصعبها، لأن الخلاف هنا يكون على الحقوق السيادية، لذلك تولي الدول مرحلة التفاوض أهمية كبرى باعتبارها المدخل لتحقيق أهدافها المرجوة.
إن دخول الدول في مفاوضات عملية تحتاج إلى إمكانيات وقدرات وخبرات خاصة لا بد من توافرها حتى تستطيع الدولة الوصول إلى مبتغاها.
وحيث ان الحديث عن هذا الموضوع يطول ويحتاج إلى عشرات الصفحات، سوف أحاول هنا التركيز على مرحلة الإعداد، ومن ثم الدخول إلى مرحلة التفاوض. فمرحلة الإعداد تعني أن على الدولة أن تختار فريقها من المفاوضين بعناية، وأن يكونوا من (المخضرمين) أصحاب الاختصاص والخيرات العلمية والمعرفية، وأن توفر لهم الإمكانيات المادية والمعنوية واللوجستية، وأن تقوم بالتحضير المسبق للجوانب القانونية والفنية، وإعداد الدراسات العلمية المتخصصة والمعمقة والشاملة عن الموضوع المراد التفاوض عليه، وعن الجهة التي سوف تدخل معها في المفاوضات، وتحديد نقاط القوة والضعف لديهم، وكذلك أن يشمل ذلك طبيعة وتكوين فريق التفاوض من كافة النواحي.
أما المرحلة الثانية وهي مرحلة التفاوض، فهي المرحلة التي نحتاج بها إلى مايسمى (فن التفاوض)، وهي التي تحتاج إلى قدرات خاصة من قبل الفريق المفاوض لترجمة الأفكار الى نتائج، فعلى المتفاوضين أن يكون لديهم استعداد وتصور مسبق لما يسمى (بالسناريوهات) المتوقعة لسر عملية التفاوض، وما هي الآليات المقترحة لمواجهتها.
أما على الصعيد الشخصي فعلى المفاوض أن يكون متحدثاً صبوراً مناوراً لا يستفز، لديه القدرة على الطرح الصحيح والإقناع وإشعاره للطرف الآخر بمعرفته لأدق التفاصيل، ودفع الطرف الآخر للحديث والإفضاء عما لديه، ففي كثير من الأحيان قد تجني كثيراً من المكاسب دون الحاجة للمطالبة، وحتى في هذه يحب أن لا تُشعر الطرف الآخر بذلك، لأن من أهم المبادئ الجوهرية في التفاوض أن تطلب أكثر بكثير مما تريد حتى تضمن ما تريد.
إننا في الأردن وكما يقال الشيء بالشيء يذكر، مازلنا نحتاج إلى العمل الكثير في هذا المضمار، فليس لدينا أية جهة مختصة في هذا المجال، ولي تجربة شخصية في هذا الشأن قبل سنوات، عندما تقدمت من خلال وزارة الخارجية والمعهد الدبلوماسي، لاعتماد تدريس منهج (فن المفاوضات)، وكذلك (القوانين الدولية الناظمة للعمل الدبلوماسي) ضمن برامج المعهد، ولكن كانت الإجابة أن إختيار الإشراف وإعطاء المحاضرات مقتصر على السفراء السابقين فقط، وافضل تعليق على ذلك أن أقول (لا تعليق).