د. فيصل غرايبة
يفهم البعض رمضان بأنه فرصة للامتناع عن الأكل والشرب من طلوع الشمس وحتى غروبها كسلوك يعبر عن الصبر والتحمل، ويفهمه بعض آخر بدعم صيامه بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها، وان يزيد الحرص بان تكون هذه الصلوات جماعة وفي المساجد، بينما يركز غيرهم على دعم صيامهم بالولائم التي يدعى اليها الوجهاء الى جانب دعوات لذوي الارحام والقربى.
كما أنه رغم الكثير من الأحاديث التلفزيونية والاذاعية ومن على منابر المساجد التي تسعى الى توضيح رسالة الايمان في رمضان والهدف الابعد من الصيام، الا ان الممارسات التي تستمد من المناسبة التي يقتضيها رمضان في ممارسات الصائم أن تصدر عن حلم وأناة، ما تزال بعيدة عند بعض الصائمين، فتصدر عن نزق وعصبية، تعبر عن نفسها بعدم احتمال تصرفات الآخر، وأن العلاقات التي يقتضي رمضان ان تقوم على التواد والتسامح ما تزال متوعرة، اذ تقوم على المواجهة وعدم التغاضي عن الاخطاء والهفوات، كما أن السلوكيات التي يقتضي رمضان ايجابيتها والمبادرة اليها ما تزال على سلبيتها لدى كثيرين، تماما كما كانت قبل رمضان.
ان النفحة الايمانية تقتضي من المقتدرين ان يبادروا الى اطعام الفقراء والمعوزين الجائعين والى مد يد العون المادي اليهم، من المأكل والملبس والمال، وعن طريق الزكاة والصدقة والهدية، ولكننا نرى أن اداء الزكاة بعيد عن اذهان الكثيرين من المكلفين بهذا الاداء، مع أن الزكاة من الفروض الخمسة في الاسلام، ونلاحظ أن الدعوات تتزايد لتناول طعام الأفطار، ولكن اطعامها لا يتاح للفقراء والمحتاجين، أنما توجه الدعوات فيها للموسرين وبصورة انتقائية ولاعتبارات شخصية.
يتضمن رمضان في حقيقة معناه احترام الوقت وضبط المواعيد، الا ان بعض الصائمين يجدون في صيامهم مبررا لخرق الوقت وهدره، فنرى ظواهر الحضور المتأخر والانصراف المبكر والتحولق مع الزملاء باحاديث جانبية في ساعات الدوام الرسمي، ووقوف السيارات وسط الازدحام والتسابق في الساحات والشوارع المحيطة بالمساجد وخاصة عند صلاة الجمعة وصلاة التراويح عندما يتضاعف عدد المصلين الذين يرتادونها خلال شهر رمضان، وكل منهم يريد ان يقترب من مدخل المسجد، حتى ولو أوقف مركبته في عرض الشارع او سد ابواب الكراجات الخاصة أمام البيوت، مما يحول دون تمكن اصحابها من الخروج بسياراتهم في الوقت المرغوب، ومما يسبب الغضب والتوتر والارتباك لهم والاحراج لمن اقدم على مثل هذا التصرف المسيء للآخرين في الشهر الذي يوجب على الصائم أن لا يسيء الى الآخرين. وهكذا الحال حول المجمعات التجارية وخاصة في العشر الأواخر من رمضان.
فهل ستختفي مثل هذه المواقف والتصرفات والمشاهد في الشهر الفضيل هذا العام؟ وهل سنشهد تطورا وتجديدا وتغييرا فيها نحو الأفضل والأصوب؟ ومن الآن فلنراقب انفسنا افرادا وجماعات ونقيم سلوكنا ونقومه، وفقا لما اعطانا رمضان من دروس في الاستقامة والفضيلة.
[email protected]