د. فيصل غرايبة
تحافظ علاقة الأردن مع العراق على الدوام على متانتها وجودتها ووثوقها، وذلك منذ العهد الهاشمي، الذي توجت العلاقة بين القطرين الجارين الشقيقين أثناءه باعلان «الاتحاد العربي» في اواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وان كانت العلاقات قد قطعت بسبب الانقلاب الدموي هناك، الا أن هذه العلاقات ما لبثت ان عادت بقوة في العهد القاسمي بعد أن تحرر من سيطرة الاتجاه الشيوعي عليه، واختار اتجاها قوميا صامتا، وارسل الأردن رجلا سياسيا قويا هو «وصفي التل» سفيرا له لدى العراق، والذي شرع في التمهيد لعلاقة سياسية تنموية بين البلدين، الا انه ما لبث ان كلفه الملك الراحل الحسين بتشكيل حكومته الأولى في بداية الستينيات، ولاقت ترحيبا على الصعيدين الداخلي الاصلاحي والخارجي السياسي، اذ حققت التوازن والمصارحة في العلاقات بين المواطن والمسؤول اردنيا، والتعاون والتفاهم عربيا.
ورغم ان العراق قد اختط خطا قوميا باتجاه مصر الناصرية في العهد العارفي الأول والثاني، الا أنه ظل يحافظ على علاقة استراتيجية مع الأردن، قوامها الاتفاق على المصلحة القومية العليا، والتي عبر عنها الجانبان بمرابطة فيلق من الجيش العراقي على الأراضي الأردنية،قبيل حرب 1967 وما بعدها بعدة سنوات. وتوثقت هذه العلاقات بقوة الأخوة والجوار، فأصبح الأردن بوابة العراق على العالم في البر والبحر والجو، ابان الحرب العراقية الايرانية التي اشتعلت لثماني سنوات في الثمانينيات المعروفة، مثلما مثل العراق البوابة الشرقية للوطن العربي، ومتوجا الأردن ذلك باعلان صيغة «مجلس التعاون العربي» الى جانب العراق ومصر واليمن كاحياء لفكرة الوحدة العربية وكتعبير عن التآخي العربي وكتكريس للتعاون والتكامل بين الأقطار العربية، ورحب الأردنيون باشقائهم العراقيين عابرين ومقيمين أو دارسين ومتعالجين، بالمقابل لم يبخل العراق بدعم الموازنة الأردنية العامة والامداد بمشتقات النفط باسعار تفضيلية وباثمان رمزية تكاد تكون مجانية، عدا عن الدعم العراقي للجهود الأهلية والمنظمات المدنية التطوعية في الأردن، كما استضافت بغداد الاتحادات العربية النوعية واتحادات النقابات المهنية العربية، وبادرت الى عقد العديد من المؤتمرات والندوات واللقاءات في اطار العمل العربي المشترك. وكان الأردن يواظب على حضورها ويعمل على انجاح أعمالها، وقد حظيت شخصيا بتمثيل الأردن في «اللجنة العربية لتوحيد مصطلحات التنمية الاجتماعية»، وفي تأسيس «الاتحاد العربي للتعليم التقني»، وفي مؤتمر عربي في جامعة الموصل لبحث دور العمل الاجتماعي في ازالة آثار الحرب، وفي جولة عربية على كليات ومعاهد الخدمة الاجتماعية في العراق.
وامتد التجاوب والمشاركة من الاردنيين ملكا وحكومة وشعبا تجاه الأخوة العراقيين حتى لما بعد الغزو الاجنبي 2003 وما سمي بسقوط بغداد، وظل على موقفه المبدئي الثابت في التعامل مع مختلف اطياف الشعب العراقي، وييسر اسباب العيش بكرامة والانتقال بحرية وسلاسة وحتى حقوق التملك والاستثمار على الأراضي الأردنية، للتخفيف من آلام الاقتتال الداخلي والنزوح عن السكنى والهجرة من البلاد والاغتراب في انحاء شتى من العالم.
وها هو الأردن اليوم يستأنف التعاون والتنسيق مع شقيقه الأكبر العراق، وكتعاونه المبادر والدائم والمستمر مع اشقائه العرب، عبر ديارهم الممتدة من المحيط المشرق الى الخليج الهادئ، ساعيا الى التكامل الاقتصادي والتناغم السياسي والتفاعل الثقافي، رسميا وشعبيا، من هنا الى هناك، ويتعاون في تهدئة الأوضاع واستئناف الحياة الطبيعية ومواصلة العطاء، بعد الآثار المحبطة والنتائج المؤلمة التي خلفتها عواصف ما سمي بالربيع العربي الجائر أو الدامي، وقد ابتليت به العديد من الأقطار الشقيقة مثل سوريا واليمن وليبيا، وتلاقي تدعياته الآن الجزائر والسودان.
[email protected]