خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

أفعال لا أقوال

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. أحمد يعقوب المجدوبة لا شك بأن الفصاحة مِزية. وقد سُجّلت لصالح العرب قديماً وتُسجل لهم اليوم.

فلنا صولات وجولات وإسهامات لافتة في الفلسفة وعلم الكلام والبلاغة والخطابة والشعر والأدب والنشيد والغناء، وغيرها من مجالات تنضوي تحت مظلة الخطاب بأنواعه المختلفة.

بيد أن نقطة القوة هذه قد تتحول إلى نقطة ضعف إذا ما بالغنا فيها، وإذا ما استخدمنا أدواتها في غير سياقاتها وأماكنها.

فتوظيف الفصاحة في الشعر أو الخطابة قد ينجم عنه الإبداع والابتكار، أما توظيفها في مجال الاقتصاد أو الهندسة فقد لا ينبثق عنه شيء ذو فائدة.

بمعنى آخر هنالك دور وسياق للقول، وهنالك دور وسياق للفعل.

قديماً أبدع السلف في الاثنين معاً، لأنهم أعطوا لكل منهما حقه. وإسهاماتهم في المجالات كافة، النظرية والعملية، ماثلة أمامنا بوضوح.

فمثلما أبدعوا وتميزوا في الشعر والخطابة، أبدعوا وتميزوا في الصناعة والتجارة وفن العمارة.

أما نحن – وهذه إحدى أهم معضلات ثقافتنا اليوم – فقد غلّبْنا القول على الفعل، والتنظير على التطبيق، والكلام على العمل.

نتحمّس للمؤتمرات – على سبيل المثال – أكثر بكثير من تطبيق توصياتها، وللاستراتيجيات أكثر من خطط العمل، وللاستيراد أكثر من الإنتاج، وللتجارة أكثر من الصناعة، وللتغني بالقيم والأخلاق أكثر من ممارستها، وللوعظ والإرشاد أكثر من المبادرات والحملات المحسوسة الملموسة.

القول وليس الفعل أولويتنا، والتنظير وليس التطبيق هاجسنا، والمؤهل الأكاديمي وليست الممارسة هدفنا.

ومن هنا يأتي إخفاقنا – أو تواضع إسهامنا - في الاختراع والابتكار والصناعة وجودة الأداء؛ ومن هنا نجد البطالة تتفشى وفرص العمل تتضاءل والفقر ينمو والبنية التحتية تتردى والاقتصاد يعاني والمؤسسات تتراجع.

تركيز الفرد عندنا غير منصب على ما يمكن أن يقدم أو يؤدي أو يفعل، بل على ما يشعر به أو يظن أو يخمّن أو يقول.

انظر إلى الصحافة والإعلام؛ معظم ما فيها ينصب على «صرح» فلان، أو «أعلن» أو «بين» أو «قال» أو «وضّح» ؛ نقرأ القليل فيها عن أفعال وابتكارات وإنجازات حقيقية. ومعظم ما نقرأ – إن قرأنا أيّ شيء في هذا السليق – فعن «منجزات» صغيرة غير ذي جدوى حقيقية؛ منجزات استعراضية.

وانظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي: قول على قول، ووعظ وإرشاد، ونقد وذم وقدح. فقلّما تجد شخصاً يتحدث عن شيء فعله أو مبادرة إيجابية قام بها أو مشروع طبّقه. كلام فوق كلام فوق كلام.

ولعلّ المعضلة هذه – معضلة الصوت والكلمة – مردّها نظامنا التعليمي القائم على الكلام: كم هائل من المعلومات للقراءة والحفظ والتلقين والترديد على نحو ببغاوي شفوي بعيد عن التمحيص أو التجريب أو التطبيق. ومن هنا يصنع نظامنا التعليمي، المجرد الآن من بعده التربوي العملي، صناع الكلام وتجاره.

وهذا الإشكال، وهذه المعضلة، لا بد من مواجهتهما بكل ما أوتينا من قوة.

فنحن نعيش في عصر قلّت فيه أهمية الكلام، وكثرت فيه أهمية الفعل والمنتج. هو عصر الابتكار والإبداع والاختراع، عصر الثورة «الصناعية» الرابعة.

ونقطة البدء هي التربية الأسرية والمدرسية، ثم الجامعية والمجتمعية، من ناحية، والخطط الحكومية المصممة بهدف التطبيق والمدعمة بميزانيات ومراحل تنفيذ ومتابعة وتقييم، من ناحية أخرى

وبعد نقول: درهم فعل خير من قنطار كلام؛ وإذا كان الكلام من فضة فالعمل من ذهب.

لم يعد الأمر يحتمل، ولا بد من أن «تتعطل لغة الكلام».

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF