د. فيصل غرايبة
يعمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي منذُ تأسسيه قبل عقد من الزمان، بوصفه ذراعاً استشارية للحكومة في مجال السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وهو يمثّل منصة للحوار المجتمعي منذ بدأ أواخر عام 2017 مراجعة لمسيرته، وصولاً لمقترحات لتحديث دوره، فكان تقرير «حالة البلاد» من تجلياته، وهو جردة حساب للمؤسسات الرسمية، بمراجعة إستراتيجياتها وسياساتها وبرامجها والوقوف على ما أُنجز منها، ثم لفتح آفاق بحثية لجوانب الحياة كافة، سعياً لترسيخ قيم العدالة والمواطنة وسيادة القانون، وتحسين مستوى الخدمات ونوعية حياة المواطنين. وأثْرتْ الحوارات هذا الجهد وساهم المشاركون في اقتراح توصيات لم تكن واردة في الإستراتيجيات والأهداف.
وجد المجلس أن المشكلة الأساسية لدى الحكومات المتعاقبة تكمن في عجزها المتكرر والمتراكم عن تحقيق أهدافها المعلَنة، وبالتالي اتساع فجوة الثقة بين المواطنين وبين هذه الحكومات. فضلاً عن أن معظم الإستراتيجيات لم تقترن بخطط تنفيذية، ولا بجداول زمنية ولم تُخصص لها موارد مالية، إضافة لضعف الموارد البشرية وعدم وجود قواعد بيانات يعتمد عليها. كما أنّ التنسيق بين المعنيين غائب عن المشهد، فغدتْ معظم الإستراتيجيات حبراً على ورق وظلّت حبيسةَ الأدراج.
خَلُصت مراجعات «حالة البلاد» إلى أن ضعف المؤسسات ناتج عن التشوهات في البنى المؤسسية. فبالرغم من الإنفاق العالي نسبياً على الصحة والتعليم والتعليم العالي بأكثر من تسعة مليارات دينار ما بين عامي 2013 و2018 إلاّ أن نوعية الخدمات المقدمة كانت بحاجة إلى تطوير وارتقاء حقيقيّين، عدا عن أرقام ونسب البطالة العالية وغير المقبولة ما يُدل على اختلال باستثمار موارد الدولة. وفي حين يُفترَض أن يوجد تقسيم للعمل وافساح لدور أصحاب الكفاءات، وترتيب لمراقبة الأداء، مما يساعد في سدّ الفجوات المعرفية لدى الموظفين، ويُمكّن الحلقات الإدارية من منع التراجع في الأداء. من هنا، فإنّ تعديل المناهج الدراسية والنهوض بسوية الجامعات من أبرز الضرورات الوطنية، وكذلك تحسين أداء حلقات إدارة الدولة العليا والوسطى.
ولا يفوت رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي السياسي والبرلماني والأكاديمي الدكتور مصطفى الحمارنة أن يشير إلى مواقف نجاح محدودة تعود إلى اسناد الموقع الأول في المؤسسة المعنية لشخص عَمِلَ بمهنية وإخلاص، لكن سرعان ما يحدث التراجع بمجرد أن يُخْلي هذا الشخص موقعه. وفي السياق يقول أن رؤساء وزارات ووزراء ومسؤولين ومثقفين وقوى سياسية وبرلمانيين وإعلاميين، مع بعض الاستثناءات ساهموا في تعميق أزمتنا، حتى صار التراجع واضحاً تتراكم آثاره، ومع ذلك دفعْنا باتجاه المحاصصة وتقاسم الفرص بأسسٍ جهوية وفرعية، وأصبح الموقع العام يحقّق دخلاً ووجاهة، وغابت معايير الكفاءة والرقابة والمساءلة، واستفادت فئاتٌ محددة من ذلك، أما الذي دفع الثمن فهي البلاد والسواد الأعظم من أهلها.
أما الخطوة الأولى للخروج من الحالة فهي الفهم الموحّد للمصلحة الوطنية، لا سيما أن ظروف بلادنا تسمح بالوصول إلى توافقات وإجماعات توحِّد الصف، وتسمح باتباع نهج فكري عملياتي جديد، يقودنا نحو التجديد على مشارف مئوية الدولة الأردنية، كما أكد الدكتور الحمارنة في محاضرته التحليلية العميقة في مقر حزب المؤتمر الأردني «زمزم» قبل أسبوع.
إن «تقرير حالة البلاد» الذي يقدّمه المجلس يستحق أن ينعقد له الحوار من مختلف الأطياف الوطنية.
dfaisal772hotmail.com
باحث بقضايا المواطنة
عضو المكتب التنفيذي لحزب الإصلاح