د. فيصل غرايبة
أنشأ المجتمع «المدرسة» بقصد تنمية شخصيات أبنائه منذ الصغر،تنمية متكاملة عن طريق التربية والتعليم، ليصبحوا أعضاء صالحين ومنتجين فيه،فهي البيئة الثانية التي يتواصل فيها نمو الطفل وإعداده للحياة وللمستقبل،مستقبل الابن نفسه ومستقبل الأسرة والمجتمع ككل متكامل، وهي مجال واسع للتدرب والتعلم والتعامل مع الآخرين،وتحقيق التكيف الاجتماعي وتكوين الأسس الأولية للحقوق والواجبات والقيم الأخلاقية. اذ إن ثمة عوامل مدرسية ذات أثر مباشر في تكوين شخصية التلميذ من أهمها الروح المدرسية العامة،تلك التي تتضمن ما يسود الجو المدرسي من انسجام وود وتراحم ومن جفاء ووحشة وتباعد، وما يتبع في التعامل من شدة وغلظة،ومن لين وكياسة ومن ثواب ومكافاة وعقاب وايذاء، وكذلك من ثبات في هذه المعاملة وما تحققه من عدالة بين التلاميذ وتقدير واحترام لكل تلميذ مهما كانت خلفيته الاجتماعية.مثلما يمتد أثر المعلم لما وراء النواحي المعرفية والثقافية،بما ينتقل منه إلى التلميذ عن طريق التقليد والمحاكاة في أساليب السلوك والصفات الشخصية الأخرى،إضافة إلى ما يحدثه المعلم المربي من توجيه لميول التلميذ واتجاهاته العقلية نحو الهوايات والآداب،مما يكون له أثر كبير في توجيه حياته المستقبلية.
ان النجاح عامل ذو أثر كبير في تكوين الشخصية، لما يتبعه من تقدير ورضا الغير وشعور بالارتياح والثقة بالنفس، أما الرسوب فيتبعه عادة تأنيب النفس ونقد الغير وعدم الشعور بالارتياح والرضا،وما تلك إلا عوامل نفسية تؤثر في شعوره بالنقص أو شعوره بالكفاية،وما يتبع ذلك من أثر على الشخصية كلها،وترتبط بهذه الناحية عيوب الامتحانات التقليدية المتبعة في تقدير النجاح،وما تؤدي إليه من تكوين الشخصيات السطحية في ثقافتها،والتي تعكس ما لاقته من قسوة الامتحانات في صورة السخط على المجتمع. إن ما يبذله المعلم من وقت وجهد في الكشف عن المكنونات داخل نفوس تلاميذه،وتمكينهم من الوصول إلى حالة التوافق مع بيئتهم،وفي تعويده لتلاميذه على حل مشكلاتهم الشخصية قدر استطاعتهم،إنما يعينهم في أن يحرزوا قدرا من النجاح في تعلم المواد الدراسية بجهد أقل،علما بأن أي نوع من سوء التوافق لدى الطفل في مطلع حياته، لا بد أن يستفحل أمره ويعظم خطره في المستقبل.
لذا فإن المدرسة الواعية الناجحة المثابرة تراعي ظروف الأسرة المادية والاجتماعية،بحيث لا تكلفها فوق طاقتها،ولا تختلف في تعاملها مع طلبتها بين تلميذ وآخر، كي لا يقع أحد التلاميذ في قلق نفسي أو هواجس ذهنية تجعله ينفر من المدرسة ويكره معلميها وإدارتها،فإن توثيق علاقة المدرسة ببيوت التلاميذ، يساعد الأهل في فهم الخبرات الصعبة التي يتعرض لها بعض هؤلاء التلاميذ سواء في المواد الدراسية أو بعض الممارسات التعليمية.
كما يتعرف الأهل من خلال هذه العلاقة على ما يتعلمه أبناؤهم في المدرسة،ويتعاونون في حل المشكلات السلوكية والتربوية التي تواجه أبناءهم في المدرسة ويكون لها امتداد أسري. ويمكن للآباء والأمهات حسب خبراتهم وآرائهم أن يشاركوا في الجهد المدرسي، وكما يمكنهم أن يقوموا بدور في إحداث تغييرات مرغوبة في المناهج،وفي تحقيق الرسالة التربوية للمدرسة،ومساعدتها في مسعاها إلى تحقيقها تجاه المجتمع،كما تتيح تلك العلاقة الأسرية المدرسية للآباء المشاركة في التخطيط لبعض البرامج المدرسية وتنظيمها وتقييمها،بما يحقق التكامل والتناسق بين جهود الأسرة والمدرسة. في حين يتم تعريف الآباء والامهات على كيفية العمل بطريقة تعاونية مع الآباء الآخرين في البيئة أو الحي الذي توجد فيه المدرسة، من خلال نشاطات مشتركة تنظمها المدرسة على مدار العام الدراسي،يشارك بها الآباء ويقدمون أثناءها معلومات وخبرات،أو يعرفون التلاميذ بالمؤسسات الأخرى.
[email protected]