خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

قراءة في قانون الكسب غير المشروع الأردني

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
أ. د. ليث كمال نصراوين أقر مجلس النواب قبل أيام مشروع قانون معدل لقانون الكسب غير المشروع الأردني لعام 2018 الذي أضاف إلى قائمة المشمولين بأحكام القانون كل من رؤساء وأعضاء مجالس البلديات المؤقتة، والمدير التنفيذي للبلدية ورؤساء وأعضاء مجالس المحافظات، بالإضافة إلى موظفي الجمارك العامة، وأمانة عمان الكبرى، وضريبة الدخل والمبيعات، والأراضي والمساحة. بالتالي، فقد أصبح أولئك الأشخاص ملزمين بحكم القانون بتقديم نماذج إقرارات إشهار الذمة المالية الخاصة بهم وبأولادهم القصر وزوجاتهم، وذلك في ظرف مغلق مختوم يسلم إلى دائرة إشهار الذمة المالية في وزارة العدل، على أن يتم الافصاح عن تلك الاقرارات وتدقيقها عند تقديم أي شكوى أو إخبار تتعلق بشبهة كسب غير مشروع.

إن المتتبع للتطور التشريعي في مجال إجراءات الكشف عن الذمة المالية في الأردن منذ إصدار قانون اشهار الذمة المالية رقم (54) لسنة 2006 الذي تم إلغاؤه بصدور القانون الحالي أن قائمة الأشخاص المشمولين بأحكام هذا القانون في اتساع مستمر، وهذا من شأنه أن يعزز درجة الشفافية والحيادية في العمل العام، وأن يحصن المال العام من أي اعتداء عليه من خلال تفادي حالات تعارض أو تضارب المصالح بين المنافع الشخصية لكبار موظفي الدولة وواجباتهم العامة.

إلا أن الملاحظ في المسار التشريعي الخاص بهذا التشريع في مجال إشهار الذمة المالية أن المشرع الأردني لا يراعي الخصوصية القانونية والدستورية لأهم الفئات المشمولة بأحكام القانون وهم أعضاء مجلس الأمة من أعيان ونواب والوزراء في السلطة التنفيذية. فالقانون الأردني يخضع جميع فئات الموظفين العموميين – ومن ضمنهم الموظفون الجدد – إلى آلية واحدة مشتركة فيما يتعلق باشهار ذممهم المالية وذلك دون أية مراعاة لنصوص الدستور ابتداء ولطبيعة المهام والمسؤوليات التي تقع على عاتق كل فئة من هذه الفئات. فأعضاء مجلس الأمة من أعيان ونواب يسمح لهم أن يمارسوا أعمالا تجارية خاصة بهم أثناء عضويتهم في السلطة التشريعية، وأن يكونوا أعضاء في مجالس إدارة شركات خاصة يتقاضون منها رواتب ومكافآت شهرية. وهذا ما يستلزم بالضرورة أن يتم إخضاعهم لآلية مختلفة لإشهار ذممهم المالية تختلف عن باقي موظفي الدولة الذين يحظر عليهم ممارسة أي أعمال تجارية أو مالية خاصة بهم أثناء فترة وجودهم في الوظيفة العامة.

كما أن طبيعة الأعمال التي يقوم بها كل من الأعيان والنواب في السلطة التشريعية تتطلب اخضاعهم لاجراءات خاصة باشهار ذممهم المالية تضمن تحقيق أقصى درجات الشفافية والعلنية وذلك من خلال إلزامهم بالاشهار–وبصورة دورية منتظمة–عن أموالهم وممتلكاتهم الخاصة بهم أو تلك المملوكة لأي من أفراد أسرهم وذلك طيلة مدة عضويتهم في مجلس الأمة. فمن غير المقبول في ظل الجواز القانوني لأعضاء مجلس الأمة بممارسة كافة الأعمال التجارية والاستثمارية، أن يقوموا بتقديم اقرارات ذممهم المالية كل سنتين حسب القانون الحالي، في الوقت الذي يلتزم فيه نواب الأنظمة الديمقراطية الحديثة بالافصاح عن أية أموال أو مكاسب جديدة بمجرد امتلاكها أو تحققها.

كما أن تبعات تخلف السادة أعضاء مجلس الأمة عن اشهار ذممهم المالية يجب أن تخرج عن نطاق العقوبات الجزائية التقليدية والتي تقف لها الحصانة النيابية بالمرصاد. فالجزاءات التي يجب تطبيقها على الأعضاء المتخلفين عن ارسال نماذج اشهار ذممهم المالية يجب أن تندرج تحت بند العقوبات البرلمانية والمتمثلة في حرمان العضو من حضور جلسات المجلس لفترة من الزمن، مع حرمانه من رواتبه ومخصصاته المالية إلى حين تصويب أوضاع اشعارات ذممه المالية. كما قد تشمل هذه العقوبات اعلان اسم العضو المتخلف عن اشهار ذمته المالية في الصحف المحلية وذلك بهدف التأثير سلبا على سمعته ومكانته في دائرته الانتخابية، على أن تصل هذه العقوبات حد الطرد من المجلس الذي ينتمي إليه في حال تعمد تكرار مخالفة اجراءات اشهار الذمة المالية.

أما بالنسبة للسادة الوزراء، فان الحاجة لاخضاعهم لاجراءات خاصة فيما يتعلق باشهار ذممهم المالية تنبع من نصوص وأحكام الدستور، فقد حظرت المادة (44) من الدستور على الوزير أثناء وزارته أن يكون عضوا في مجلس ادارة شركة ما أو أن يشترك في أي عمل تجاري أو مالي أو أن يتقاضى راتبا من أي شركة. بالتالي، فإن اشهار ذمة الوزراء المالية يجب أن تنصب على قيامهم بتجريد أنفسهم من جميع الوظائف والمناصب الإدارية في أية شركة خاصة أو مؤسسة عامة، وفي قيامهم بقطع جميع صلاتهم الوظيفية عند مباشرة مهامهم الوزارية، والتنازل عن أية اسهم أو حصص مالية لهم في أي شركة مساهمة عامة. هذا بالاضافة إلى الافصاح عن مثل هذه المصالح والمنافع إذا كانت مملوكة لحد الزوجات أو الأبناء القصر إلى دائرة اشهار الذمة المالية، وهو الأمر الذي لم يأخذه القانون الأردني الحالي بعين الاعتبار.

ومن الملاحظات القانونية الأخرى على قانون الكسب غير المشروع أنه لا يعطي الجهة المكلفة بتنفيذ أحكام القانون، وهي دائرة إشهار الذمة المالية، أي مظهر من مظاهر الاستقلال المالي والإداري، وإنما يعتبرها مجرد وحدة إدارية تابعة لوزير العدل يرأسها قاضي تمييز يسميه المجلس القضائي يمارس عمله في الدائرة إلى جانب عمله القضائي وذلك عملا بأحكام المادة (5) من القانون. فهذه الازدواجية في العمل واقحام عضو في السلطة القضائية في مهام وأعمال غير قضائية يعد خروجا عن أحكام المادة (102) من الدستور التي تحدد اختصاصات السلطة القضائية بالفصل في المنازعات بين الأفراد بالقول «تمارس المحاكم النظامية في المملكة الأردنية الهاشمية حق القضاء على جميع الأشخاص في جميع المواد المدنية والجزائية بما فيها الدعاوى التي تقيمها الحكومة أو تقام عليها».

كما يجب الإشارة في هذا السياق إلى السرية المبالغ بها التي فرضها القانون الأردني على إقرارات الذمة المالية المقدمة من المكلفين، حيث يشترط القانون صراحة أن تُسلَم هذه الإقرارات في ظرف مغلق ومكتوم إلى الرئيس، وأنه يحظر على أي من موظفي الدائرة فتح ذلك الظرف أو الاطلاع على ما يحتويه من بيانات وذلك تحت طائلة المسؤولية القانونية. وقد ذهب المشرع الأردني إلى أبعد من ذلك بأن اعتبر هذه الإقرارات–وما يتعلق بها من ايضاحات وبيانات ومعلومات ووثائق وإجراءات الفحص والتدقيق المترتبة عليها–من الأسرار التي يحظر افشاؤها أو نشرها تحت طائلة المساءلة القانونية وذلك بموجب أحكام المادة (12) من قانون الكسب غير المشروع. فهذه الهالة من السرية في إجراءات الافصاح عن الذمة المالية وعدم مراعاة الاعتبارات الفردية الخاصة بالمكلفين المشمولين بأحكام القانون قد حالت دون وضع النصوص القانونية التي تعاقب على مخالفة أحكام اشهار الذمة المالية موضع التنفيذ ولو لمرة واحدة منذ عام 2006.

لذا، فإن معالجة أوجه القصور في تطبيق قانون الكسب غير المشروع يتطلب وبالدرجة الأولى التخلي عن مبدأ قدسية كشوفات إقرارات الذمة المالية الخاصة بأعضاء مجلس الأمة واستبدالها بمبادئ العلانية والشفافية. فالغاية من قانون الكسب غير المشروع لن تتحقق مع بقاء كشوفات ذمم النواب المالية في ظروف مغلقة تحفظ في خزائن خاصة في دائرة إشهارالذمة المالية واعتبارها من الأسرار التي يحظر نشرها أو أفشاؤها، بل لا بد من أن تكون مثل تلك الإقرارات متاحة للرقابة الشعبية، وأن يكون لكل فرد حق الحصول على تلك المعلومات في أي وقت يشاء.

كما أن إقرارات الذمة المالية لا يتم فحصها إلا عند تقديم شكوى أو إخبار يحال إلى الدائرة المعنية من الجهة المختصة بوجود واقعة كسب غير مشروع، حيث تتولى هذه العملية هيئة قضائية برئاسة قاضي تمييز وعضوية قاضيين اثنين لا تقل درجتهما عن الدرجة الخاصة، وهذا أيضا يعد خروجا عن الدور الرئيسي للقضاء كما حدده الدستور الأردني في المادة (102) منه. من هنا، فثمة حاجة ماسة لمراجعة أحكام قانون الكسب غير المشروع لصالح إنشاء هيئة مستقلة ماليا وإداريا لمتابعة تنفيذ أحكامه، وأن يكون لهذه الهيئة أشخاصا متفرغين لإدارتها، وأن تعطى صلاحيات تدقيق ومتابعة نمو الثروة بشكل غير طبيعي أو مشروع للأشخاص المشمولين بأحكام القانون.

أستاذ القانون الدستوري المشارك في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

[email protected]

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF