د. أحمد يعقوب المجدوبة
عدت للتو من مشاركة في المنتدى الخامس عشر للتعاون بين كوريا والشرق الأوسط، والذي سُلط الضوء فيه هذه المرة على «الشراكة الكورية الشرق أوسطية في عصر الثورة الصناعية الرابعة».
وعُقد الملتقى في مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية والبحوث في أبو ظبي، بتنظيم من الجمعية العربية الكورية ومعهد جيجو للسلام في كوريا، ودعم من وزارة الخارجة الكورية.
وقد تحدث فيه عدد من الخبراء والدارسين من كوريا ودول الخليج العربي حول ثلاثة محاور. الأول ويركز على «دور كوريا في الرؤى الاستراتيجية لدول منطقة الشرق الأوسط»، والثاني على «تعزيز علاقات التعاون الاقتصادية بين كوريا والشرق الأوسط في إطار الثورة الصناعية الرابعة»، والثالث على «قيم التسامح والحوار عبر الثقافات».
وقد كانت مشاركتي ضمن المحور الثالث، والذي تحدثت فيه عن مفهوم الحوار عبر الثقافات وأهميته في سياق العولمة وما بعد الحداثة والثورة الصناعية الرابعة، مبرزاً دور الجامعة الأردنية ومساهمتها اللافتة في الحوار المشار إليه (والمستمد من مساهمة المملكة عموماً) وفي العلاقات مع كوريا.
وفيما يخص البعد الأخير هذا فلقد قامت الجامعة الأردنية، ومنذ تأسيسها، بفعل الكثير في مجال الانفتاح على الثقافات العالمية وأخذ الممارسات الحميدة منها والتأثير فيها، بدءاً من استقطاب العديد من أعضاء هيئة التدريس من المنطقة والعالم الذين كان لهم دور كبير في إثراء أجواء الانفتاح على الثقافات المجاورة والدولية، وإرسال العديد من الطلبة المتفوقين إلى كافة دول المعمورة، من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، لإكمال دراستهم العليا والعودة للتدريس في الجامعة، حاملين معهم، إضافة إلى تخصصاتهم الدقيقة، تجارب ثرية في التفاعل الثقافي، وفتح برنامج مهم في مركز اللغات لتدريس العربية للناطقين بغيرها، والذي يجتذب طلبة من أكثر من ستين دولة من العالم، وانتهاء بإنشاء أول مكتب للعلاقات الدولية في المملكة والمنطقة، الذي يدير علاقات الجامعة ويرسخ تفاعلها الثقافي مع العديد من الدول من خلال برامج تبادل الطلبة وأعضاء هيئة التدريس والإداريين، وأول كلية للغات الأجنبية والتي تؤهل طلبتنا لمعرفة معظم لغات العالم المهمة، إضافة إلى إعادة هيكلة متطلبات الجامعة وإدخال مواد في مهارات التواصل والتفكير الناقد والحضارة الإنسانية والريادة والابتكار، إلخ. وهي تعد نفسها لآن للتحول إلى جامعة ذكية ولا ورقية بحلول عام 2021.
أما في مجال تعزيز العلاقة مع كوريا الجنوبية، فقد قامت الجامعة بإنشاء أول برنامج بكالوريوس في اللغة الكورية في المملكة عام 2006، وبإرسال طلبة في بعثات ومنح إلى كوريا لإكمال دراستهم العليا فيها، وبتبادل طلبة وأعضاء هيئة تدريس للدراسة والبحث، وباستقبال عدد كبير من الطلبة الكوريين الذين يأتون بهدف دراسة اللغة العربية، وبإقامة الفعاليات الثقافية المستمرة على مدار العام، ومسابقة اللغة الكورية السنوية، واستضافة الخبراء والدراسيين الكوريين للتحدث حول مواضيع العصر، كان آخرهم متحدث قبل أقل من شهرين حول التجربة الكورية في النهضة الصناعية.
اللافت في المنتدى التركيز الكبير على الإعداد للثورة الصناعية الرابعة والتي دخلها عالمنا منذ مدة وجيزة، والتي تتمثل في الدمج بين الصناعات المادية وصناعات الأتمتة والرقمنة، بما في ذلك الآلات التي تعمل من تلقاء نفسها والروبتات، وإعلاء شأن الذكاء الاصطناعي ومهارات الابتكار والذكاء العاطفي وأبعاد أخرى كثيرة.
نقطتان مهم التركيز عليهما هنا.
الأولى أن العديد من دول الخليج الشقيقة، والتي تُحضّر معظمها لمرحلة ما بعد البترول كما تم التأكيد عليه من أكثر من متحدث في الملتقى، قد بدأت منذ مدة في الإعداد لدخول عالم الثورة الصناعية الرابعة. وإن من يشاهد ما أنجز في أبو ظبي ودبي، يلاحظ العديد من النتائج والتجارب المجسدة على أرض الواقع.
والثانية أن تلك الدول تتحالف استراتيجياً مع بعض القوى الصناعية العملاقة ومنها كوريا الجنوبية بهدف تهيئة نفسها للعالم المذهل الذي نحن بصدده، عالم الثورة الصناعية الرابعة، وأن لها خططاً واضحة ومحددة بهذا الصدد.
أما السؤال المهم هنا فيما يخصنا: ماذا أعددنا نحن، ومع من نتحالف استراتيجياً كي نلحق بالركب، وكي لا نجد أنفسنا خلف من كنّا نسبقهم بأميال؟
هل نبقى غارقين في تفاصيل كثيرة، مهمة لكنها ليست الأهم، وفي معارك جانبية وقضايا هامشية استنفذت طاقاتنا بلا طائل، أم نضع تصوراً أو رؤية أو وجهة عصرية محددة ونسعى إلى تحقيقها بكل ما أوتينا من عزم، كما يفعل النابهون في هذا العالم، لمواجة التحديات الكثر ومنها الثورة الصناعية الرابعة؟