د. فيصل غرايبة
لقد ارتاح الانسان في كل مكان عندما اخترعت تقنيات المعرفة الألكترونية المتطورة، بدءا من الكمبيوتر الى الشبكة الممتدة التي تسمى بالعنكبوتية،والتي أتت اليه بالمعلومات المفصلة والوافية في اي فرع يخصه او ميدان يريد ان يدخله او موضوع يعنيه، الى أن تعززت هذه المستخدمات وتيسرت وتوسعت بايجاد وسائط التواصل الاجتماعي الأحدث، كالفيس بوك والمسنجر والتويتر وما تبعها من اشكال مبتكرة للتواصل... تلك التي جعلت العالم بين يدي مستخدمها ومكنته من الاتصال مع من يعرفهم وممن لا يعرفهم من قبل، وأنشأت صداقات جديدة،تتواصل باي وقت وبأي مكان، حتى أصبح مصطلح – التواصل الاجتماعي – يكتب ويذكر عند الكبار والصغار وفي المقالات والاخبار، عدا عن انها قد اتاحت حرية التعبير والنشر ويسرت تدبيج المقالات وطرح الأفكار وابداء الآراء وكتابة التعليقات والتحليلات،حول مختلف القضايا المحلية والقومية والعالمية،اضافة لنقل المشاركين لما اطلعوا عليه قراءة او سماعا او مشاهدة من كل ذلك الذي ذكرت وأدرجت.
فكان لوسائل التواصل الاجتماعي بذلك الفضل في حصول الأفراد على المعرفة والثقافة والحفزعلى الابداع وتنمية القدرة على تكوين الأفكار والألمام بوجهات النظر وتحديد المواقف والنظرات الى آراء الآخرين وطروحاتهم المختلفة.
بالمقابل... وامام الجهل المطبق أو الجهل الجزئي في زاوية ما أو بجانب آخر أو من وجهة أخرى، تنقلب تلك المزايا والفوائد لوسائط التواصل الاجتماعي الى وضعية متضادة،والى مستوى اخفض من الانحدار، سواء في التعبير الذي يخون صاحبه، أو في الصياغة المتعمدة الجائرة،التي يقصد منها الاساءة الى الطرف المقابل أو تشويه سمعته أو توبيخه على تصرفاته، التي يعتبرها ذاك الطرف انها خاطئة،هكذا اكثرت وسائط التواصل الاجتماعي من التهجمات الكتابية بين الأفراد، وتجاوزت الانتقادات حدودها، واصلة الى حد التجريح والقدح والذم، فلم تعد تدخل من باب النقد الايجابي الهادف،الذي يحقق نقطة التقاء بين وجهات النظر المختلفة،ولا يوصل الى مستوى جيد من الاقتناع الواعي العقلاني الرشيد. لا بل يصل الى الشقاق وبعد الشقة والتراشق اللفظي وباستخدام النابي من الألفاظ والى خدش الحياء خدشا غائرا،والى حد البذاءة الفاضحة.
وهكذا تحدث الاستخدامات المسيئة والأساليب الجائرة للتواصل الاجتماعي الألكتروني المتاح بسهولة وبشكل مفتوح وبحرية تامة شرخا في المجتمع وبلبلة في صفوفة وهتكا لنسيجه واستهتارا بقيمه وتدميرا لاخلاقه.
فلم تعد الكتابة منضبطة لا ذاتيا ولا مجتمعيا، ولا رسميا ولا شخصيا، وصار النشر متيسرا ومتاحا لأي شخص وفي اية لحظة، وأقدم الكثيرون على تعمد الافتضاح او اختلاق الفضائح، ونشر المستور او المغطى، او حبك الأخبار وترويج الشائعات، بما هو كائن وبما لم يكن.
وللأسف أن المجتمع بمؤسساته ومنظماته لا يستطيع ايقاف هذا السيل العرم من الأقاويل والادعاءات، وهذا الجبل المتكون من الأكاذيب والتلفيقات، وهذا الخزان الذي يمتلىء من نسج الخيال وتعمد الاساءة. ومن المستحيل أن تمارس الرقابة على هذا الحجم من التصرف المسيء والطرح المتجني، كما أنه من الخطأ الفادح والاقدام الأحمق على حجب خدمات التواصل الألكتروني عن مجتمع بكامله وعن دولة برمتها، والعودة بها الى أحوال قرن خلى من الزمان.
كل ما هنالك... يمكن ان نناشد جميع القوى الحية في البلاد وكل العقول النيرة والأقلام الحرة والكتابات الصادقة، ان تبقي قلوبها على البلد وشعبه واجياله، وتعامله بكل رقة وود ودراية، ولا تطرح الا الفكرة الصائبة البناءة، ولا تدلي الا بالراي الأخلاقي القيمي الرشيد، الذي من شأنه عزة الوطن والمستقبل الآمن لأبنائه.
[email protected]