د. فيصل غرايبة
اعتاد الناس في مجتمعنا الأردني المتآلف، أن يوجهوا الانتقادات لتصرفات المسؤولين، ويصيغوا المشاغبات عن علاقاتهم مع العاملين في جهازهم، ويروون الحكايا والنوادر عن تصرفاتهم، تجاه الآخرين المتعاملين مع مؤسساتهم، ويسجلون مواقفهم بالتركيز على السالب منها. ويستطرد هؤلاء الناس في تلك الانتقادات والمشاغبات والتندرات، حتى يحولون مختلف المبادرات التي يقدم عليها هؤلاء المسؤولين لتصرفات متهورة او مزالق خطرة أو مواقف محرجة.
فهم ينتقدون المسؤول الذي يتوجه للميدان، حيث يكون المواطن، كأن يتحدث المسؤول للتاجر في متجره،ليحدثه عن حركة البيع والشراء، أو الى العامل في ورشته ليعرف شروط مهنته وصعوباتها والأمن المهني فيها، أو المعلم في صفه وبين طلابه،ليتبين مدى التجاوب بين المعلم والطلبة والمستوى التعليمي لديهم، والى البائع بين المشترين،ليكشف عن مدى الجشع او المسايرة في عملية البيع والشراء، أو المريض الراقد على سرير الشفاء بالمستشفى، ليتلمس مستوى الخدمة الطبية ومستوى النظافة والتنظيم. وغيرها الكثير مما يهم المواطن ومما يتطلبه الوطن، من مصادر الخدمة ومقدميها للآخرين من طالبي هذه الخدمة من سائر المواطنين، وكل ما من شأنه ان يكون فكرة واقعية وصورة حيوية وحقيقة موضوعية عن الواجبات التي يقوم بها العامل والموظف والمنتج، وبالمقابل عن الحقوق التي يحصل عليها اي مواطن من المقرر ان يستفيد من خدمة تلك المؤسسة أو القطاع أو المنظمة التي يعمل فيها هؤلاء العمل او الموظفون او المنتجون، في مختلف المهن والوظائف والحرف، سواء في القطاع العام او القطاع الخاص، مع تلمس الخيط الرفيع الذي يحبك العلاقة بين القطاعيين، وليجسد بالتالي مصلحة الوطن ومستقبل الأجيال، وليحدد مستوى الرفاه وصعوبات العيش وتحديات الظروف والامكانيات.
يتصور هؤلاء أن العمل المنتج يمكن - أو يقتضي - أن يتم في المكاتب، ومن وراء الطاولة الرسمية، ومن خلال التوقيع على القرارات، والامضاء على الأوراق، والتحويل للاستدعاءات، واجابة المذكرات، وتلبية الطلبات، في اطار بيروقراطي، وبشكل روتيني، وبنمط يومي متكرر، ويظن هؤلاء أن الخروج من مقار العمل الى الميدان تعطيل لهذا العمل الورقي وتأخير لذاك الاتصال الهاتفي.
يرى هؤلاء ان هذه الجولات لاطائل تحتها ولاجدوى منها، لأن الكلام فيها قد ينسى، وان الاصغاء اليها قد يهمل، وان الملاحظات عنها قد تمحى، ناسين او متناسين ان بقاء المسؤولين في ابراج عاجية، وتمضية ساعات دوامهم داخل حجرات او قاعات، لا يغني عن الوصول للواقع، بالزيارات التفقدية ولا يعوض ضرورة التوصل للحقائق كما هي، ولا يسد ثغرة من ثغور الكشف عن سلبيات العمل، وخلل الانتاج في مختلف المناطق والقطاعات داخل العاصمة وخارجها، وفي المدن والبلدات المنتشرة والارياف المحيطة بها، بما يتوفر فيها من ابناء المجتمع، الصغار والكبار والذكور والاناث والمتعلمين وغير المتعلمين من المكتفين ومن اصحاب الحاجة على حد سواء.
لا.. فلنطالب كبار المسؤولين وصغارهم أن يخرجوا للميدان، ويتحروا الحقائق ويتلمسوا الواقع، ويكونوا الصورة، ليعودوا بعدها لمكاتبهم وقاعات اجتماعاتهم وليقلبوا الأوراق، ويستمعوا للخبراء والمديرين والمستشارين، ليتوصلوا الى الرؤى البعيدة والسياسات الحكيمة والخطط المحكمة، وليتخذوا القرارات الصائبة والمواقف الصلبة، بما يفيد الناس جميعا، وبما يدفع مسيرة البلاد نحو الأفضل.وسدد الله الخطى الواثقة الأمينة.
[email protected]